بمدينة سطات بالمغرب

 

سلسلة الحاكم المقتول

 

 

الحلقة (1) : اختفاء مفاجئ

تجري أطوار هذه القضية بمدينة سطات عاصمة جهة الشاوية، عندما غادر أحمد نبيه في حدود الساعة الخامسة زوالا يوم 24 يوليوز 2000 منزله بزنقة القاضي عياض حي السماعلة، باتجاه ضيعته الكائنة بدوار الدلادلة قبيلة أولاد ايدر قيادة المزامزة. تفقد شؤون العاملين بالضيعة، تناول حبات من التين الشوكي توضأ وأدى صلاة المغرب، ثم استقل سيارته من نوع ميتسوبيشي بعد أن وضع العمال بصندوقها الخلفي إناء حليب، وقفل الرجل عائدا إلى منزله، إلا أنه بعد انصرام ساعات لم يظهر له أثر. استبد الخوف بابنته ربيعة وزوجته، فأحمد نبيه لم يعتد المبيت خارج بيت العائلة، تم ربط الاتصال بالأهل والمعارف فأنكروا معرفتهم بمكان تواجده، تزايدت المخاوف، ربطت الابنة ربيعة الاتصال هاتفيا بمركز الدرك بسطات، أشعرت الدركي المناوب بواقعة الاختفاء فجاء جوابه مستفزا: (وما أدراني لعل والدك يقيم ليلة ماجنة وأنت تسألين عنه !) استنجدت الابنة المصدومة بعمها محمد نبيه وتوجها معا إلى مركز الدرك للإبلاغ عن واقعة الاختفاء. لم يكن الجواب هذه المرة شافيا بل قاسيا وأكثر من مستفز، خاطب الدركي المداوم شقيق المختفي قائلا: (لعلك قتلته وأتيت للإبلاغ عنه !). كانت الوجهة ولاية الأمن حيث سجل محضر بالإبلاغ عن واقعة الاختفاء لدى مصلحة الديمومة، وفي صباح اليوم الموالي سجل محضر رسمي لدى الدرك الملكي بسطات، أورد شقيق الحاكم أنه تلقى مكالمة هاتفية من ابنة أخيه ربيعة بخصوص تخلف والدها عن الالتحاق بالمنزل، فسارع إلى الضيعة ليخبره المشرف عليها أن الحاكم غادر بعد صلاة المغرب على متن سيارته، الشيء الذي ولد لديه مخاوف بأن يكون مكروه قد لحق به، على ضوء هذا التصريح ونظرا للمكانة الاعتبارية التي يحظى بها الحاكم الجماعي باعتباره واحدا من رموز المقاومة بالشاوية عرف بمقاومته الشرسة للمستعمر الفرنسي الغاشم، وذاع صيته من خلال عمليات نوعية قادها ضد المعمرين وأزلام الاستعمار، حيث عرف باسمه الحركي (الوادي)، كما انتخب كأول رئيس لجماعة سيدي العايدي سنة 1961، وبعدها حاكما جماعيا لما ينيف عن 17 سنة، وهو إلى جانب كل هذا رجل دين وتقوى فلاح وفاعل اجتماعي يحظى بتقدير الجميع. تفاعلت عناصر الدرك مع بلاغ الاختفاء وتم تكوين دوريات تابعة للمركز القضائي والترابي للدرك والتدخل السريع وفرقة استئناس الكلاب المدربة للدرك الملكي، وتم الانتقال للضيعة الكائنة بدوار الدلادلة والدواوير المجاورة حيث أجريت عملية تمشيط واسعة النطاق، وفي حدود الساعة 10.30 من صباح يوم 25 يوليوز 2000 عثر على المختفي مقتولا داخل سيارته من نوع ميتسوبيشي بيضاء اللون داخل مسلك ترابي بدوار الورارقة. ترى من له مصلحة في قتل الحاكم ؟ خاصة وأن عملية القتل تمت ببشاعة تستعصي عن الوصف ! إذ كانت الجثة تحمل 33 طعنة بالسكين في الوجه ، الرأس، العنق والصدر. لقد انفرد الجناة بالمجني عليه المستضعف المغلوب على أمره. لم يكن أمام الحاكم المسن وعمره ساعتها 77 سنة سوى الاستسلام لبطش المتهمين، صرخ صرخة مكتومة، إنها صرخة مظلوم لسان حاله بأي ذنب قتلت ؟ وما عساي فعلت لأستحق ميتة كهذه ؟ المثير في الأمر أن الحاكم الجماعي دأب كل يوم في رحلة عودته من ضيعته على اصطحاب أحد المستخدمين بالضيعة ويدعى الباجي رحال، إلا أنه ويوم 24 يوليوز بالذات تخلف الباجي رحال عن مرافقة مشغله بدعوى إصابته بتوعك صحي مفاجئ، كما أن السكين الذي عثر عليه داخل مقصورة السيارة يخص الباجي رحال، كان قد سلمه لمشغله صباح يوم 24 يوليوز من أجل تقطيع حبات من التين الشوكي، فهل تخلف الباجي رحال عن مرافقة أحمد نبيه يوم 24 يوليوز مجرد صدفة !

المفارقة الثانية أنه في نفس اليوم الذي اختطف فيه أحمد نبيه وعذب وقتل استمعت الشرطة القضائية بسطات للمدعو محمد الدلوادي المتهم بجريمة تزوير عقود بيع عرفية للاستحواذ على حقوق 3 نسوة من أقرباء الحاكم نساء كبيرات في السن وأميات، استنجدت إحداهن بالحاكم لمؤازرتها، وقد يكون دفع حياته ثمنا لذلك، خاصة وأن مقترف الزور كان قد زار الحاكم الجماعي أسابيع قبل مقتله، وهدده وتوعده.

 

الحلقة (2) : لغز غسل سيارة الضحية

نزل خبر مقتل أحمد نبيه الحاكم الجماعي لسيدي العايدي كالصاعقة، ليس فقط على أهله ومعارفه وأفراد قبيلته بل على ساكنة جهة الشاوية وعموم الوطنيين بربوع المملكة لما كان يحظى به الضحية من خلق حسن وسمعة طيبة ، وتقاطرت على مسرح الجريمة مختلف التشكيلات الأمنية، حيث تم رفع بصمات من زجاج مقصورة السيارة التي كانت الدماء متناثرة بها، فيما لم يعثر على فردة من حذاء الضحية رغم أن الدرك استعان بالكلاب المدربة وقام بتمشيط المنطقة دون جدوى، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن المجني عليه اختطف وعذب في مكان آخر قبل نقله إلى مسرح الجريمة من أجل التمويه وتضليل البحث. ووسط دهشة الجميع صدرت أوامر من مسؤول دركي سامي إلى عناصر الوقاية المدنية من أجل غسل سيارة الضحية، احتج شقيقه محمد نبيه لدى المسؤول الدركي السامي لكنه نهره، واللافت أن غسل السيارة مثل خطأ جسيما أدى إلى إقبار وإتلاف أدلة علمية وجينية كان من شأنها أن تقود إلى تحديد هوية الجناة، وجرى خفر السيارة إلى مقر القيادة الجهوي للدرك الملكي وأعيد غسلها مرة ثانية، كما تم الاحتفاظ بها لأسابيع قبل تسليمها لذوي الهالك. أسند السيد الوكيل العام للملك لدى استئنافية سطات مهمة التحقيق في جريمة القتل للمركز القضائي للدرك الملكي، وتم فتح بحث تمهيدي تحت عدد 334 استهل بالاستماع مرة أخرى لشقيق الضحية المبلغ عن واقعة الاختفاء، كما تم الاستماع إلى ابنة المجني عليه ربيعة وزوجته، وكذا عمال الضيعة وتم توسيع دائرة المستمع إليهم لتشمل ساكنة الدواوير المجاورة، حيث أجمع الكل على حسن سيرة وسلوك أحمد نبيه وأن لا خلاف له مع أي كان باستثناء قريب له تورط في تزوير عقود بيع عرفية، وبعد أن فشل في إقبار عملية الزور ناصب العداء للحاكم الجماعي. جرى نقل جثة الهالك صوب مستودع الأموات بمستشفى الحسن الثاني بسطات، والذي تحول إلى محج للمئات من المواطنين من مختلف الدواوير فجعوا لمقتل أحمد نبيه بطريقة وحشية تنم عن حقد وكراهية دفينين، ورغبة جامحة في الانتقام، لكن من يا ترى يرغب في الانتقام من رجل مسن مشهود له بالطيبوبة وحسن السلوك ويحظى بتقدير وحب الجميع ؟ أحيلت الجثة على مركز الطب الشرعي بالدار البيضاء وأشرفت الدكتورة فريدة بوشتى على ضوء تكليف من السيد الوكيل العام على عملية التشريح، عملية كشفت حجم الإيذاء البدني والتعذيب الجسدي الذي تعرض له الحاكم من قبل مختطفيه، وقد أخذوا وقتهم الكافي للتنكيل بجثته دون أن يشفع لهم في ذلك سنه المتقدم، وحررت الدكتورة فريدة بوشتى تقريرا مفصلا أغفلت فيه الإشارة إلى ساعة وقوع جريمة القتل، وتم تشييع جثمان أحمد نبيه في موكب جنائزي مهيب تقدمه رموز المقاومة بالشاوية والمغرب، وطنيون ومنتخبون وجمع غفير من ساكنة الشاوية. في هذه الأثناء سيتفاجأ الكل بصدور مقال بجريدة الأحداث المغربية عدد 560 بتاريخ 01 غشت 2000 تحت عنوان (قتلوه وبتروا جهازه التناسلي) يتناول خبر جريمة قتل أحمد نبيه ويشير إلى بتر جهازه التناسلي في محاولة للإيحاء إلى أن دوافع الجريمة هي الانتقام لدواعي جنسية، في حين أن تقرير الطب الشرعي لم يشر بالمرة إلى بتر أي عضو من أعضاء جسد الضحية وإنما اكتفى بالإشارة إلى الطعنات الموجهة إلى الجزء العلوي من جسم الهالك. ترى من له مصلحة في نشر خبر زائف وعار من الصحة؟ وما الغاية من عملية النشر ؟ هل هي تشويه سمعة الضحية بعد أن تم التمثيل بجثته ؟ أم تضليل الرأي العام الذي عبر عن تعاطف كبير مع أسرة الضحية واستنكر بشاعة الجريمة وطالب بالقصاص العادل من مقترفيها. من نشر مقال الأحداث المغربية مستهل شهر غشت 2000 سيكشف عن قناعه ويخرج للعلن بعد 16 سنة من وقوع الجريمة من خلال مقالات تحمل صورته وتوقيعه الشخصي كال من خلالها السباب والشتائم للهالك أحمد نبيه، شكك في مساره النضالي المشرف، وحاول تشويه سمعته بأي ثمن. المفارقة الغريبة العجيبة أن صاحب هذه الخرجات الإعلامية المسمومة لم يكن سوى مقترف عملية الزور التي كشفها الحاكم ودفع حياته دفاعا عن ضحاياها.

الحلقة (3) : تصرفات مريبة لمقترف الزور

على الرغم من أن المتورط في جريمة تزوير عقود عرفية للاستحواذ على عقارات في ملكية قريبات من الحاكم لم يكن على سابق مودة مع هذا الأخير إلا أن المدعو محمد الدلوادي مقترف الزور أبدى اهتماما لافتا بواقعة اختفاء الحاكم وأجرى أكثر من اتصال هاتفي من الدار البيضاء لمتابعة أطوار البحث عن المختفي، وكان أول من أشعر المدعو العشوي المختار حسب تصريحات هذا الأخير لدى الدرك بواقعة العثور على جثة المجني عليه، كان ذلك على الساعة 10.00 صباحا من يوم 25 يوليوز 2000، في حين أن محضر الدرك الملكي عدد 334 يشير إلى اكتشاف الجثة في 10.30 صباحا ؟! انتقل مقترف الزور من الدار البيضاء إلى مدينة سطات، التحق بمسرح الجريمة وتابع عملية غسل سيارة الضحية، كما عرج على مستودع الأموات بمستشفى الحسن الثاني بسطات ومنع زوجة الحاكم من إلقاء نظرة أخيرة على جثمان زوجها، كما حاول إقناع شقيق الحاكم وصهره ميري عبد الرحيم بالاعتراض على عملية التشريح، بل انتقل إلى مدينة الدار البيضاء وحاول حضور عملية التشريح إلا أن الدكتورة فريدة بوشتى منعته من ذلك بدعوى مخالفته للوائح والقوانين، ودون جدوى حاول الحصول على نسخة من محضر التشريح. كما تدخل لدى قائد قيادة سيدي العايدي وأوفد شقيقه حسن الدلوادي من أجل الحصول على شهادة الوفاة، وبالفعل كانت الشهادة معدة سلفا وباتصال هاتفي من قائد المنطقة إلى كاتبه دون هذا الأخير عبارة عثر عليه متوفيا اليوم 25 يوليوز 2000، بدليل أن الحبر الذي دونت به العبارة الأخيرة ليس هو ذاته الحبر الذي دونت به شهادة الوفاة. والمفارقة الغريبة هنا أن القائد الصالحي الذي سلم شهادة الوفاة باتصال هاتفي هو نفسه القائد الذي مكن مقترف الزور من شواهد ملك عائلي مزورة تم الاستناد عليها لتحرير عقود البيع للاستحواذ على حقوق النسوة الثلاثة. شريك مقترف عملية الزور في كل أعماله الإجرامية العشوي المختار أكد في محاضر الاستماع إليه لدى الدرك الملكي أن سلوكات محمد الدلوادي يوم 25 يوليوز 2000 لم تكن طبيعية بالمرة بل بدى عليه الارتباك وكان يعجل بعملية دفن الضحية وكأنه يحاول الخلاص منه. هذا السلوك المريب سجله كذلك كل من حضر عملية العزاء، وشوهدت زوجة مقترف الزور وقد انتابتها حالة بكاء هستيرية عندما حلت بمنزل الضحية تواسي بناته. محمد الدلوادي لما واجهه المحققون بكل الوقائع السالفة الذكر بما فيها الاعتراض على التشريح، منع زوجة الضحية من إلقاء نظرة على جثمان زوجها، التدخل للحصول على شهادة الوفاة أنكر كل هذا جملة وتفصيلا وأثنى في محاضر الاستماع إليه على المجني عليه باعتباره عمه وكبير العائلة دأب على الالتقاء به في المناسبات والأعياد وأنه يكن له كل المحبة والتقدير، إلا أن تصريحاته هاته ستكذبها الأيام التالية على وقوع الجريمة حيث سيصدر مقترف الزور مقالا تحت عنوان (المقاوم الخائن وترهات الابن الطامع) بجريدة الشفق المغربية، طعن في سيرة الضحية ووطنيته ومقاومته الباسلة للمستعمر وحاول تضليل المحققين بأن اتهم ابن الضحية بالوقوف وراء مقتله طمعا في ثروته. ليس هذا المقال الوحيد الذي أصدره المشتبه فيه بل سيجن جنونه عندما قررت أسرة الضحية بعد انصرام 16 سنة إقامة حفل تأبين للضحية أحمد نبيه احتضنته الخزانة البلدية بسطات بحضور رجال قانون وطنيين منتخبين وجمعويين، أرعد مقترف الزور وأزبد وهدد وتوعد مستنكرا إقامة حفل التأبين ملقيا باللوم على أسرة أحمد نبيه مشككا في سلامة القوى العقلية والنفسية للحاكم الجماعي بعد أن اعتبره إنسانا انطوائيا لا يحب النساء ولا الاجتماعات. كما نشر على حائطه الفيسبوكي وبمجلته (المجلة 24) مقالات تتقطر سما وحقدا ضرب من خلالها أخماسا في أسداس وألقة باللائمة في مقتل أحمد نبيه على أكثر من جهة بمن فيها الألوية السوداء، جمعية الحليب بسيدي العايدي، بل لم يسلم من اتهاماته المجانية حتى جهاز الدرك الملكي في شخص الكولونيل محسن بوخبزة وهو الذي كان يشرف على سرية الدرك بسطات برتبة كومندار ساعة وقوع الجريمة، اتهمه مقترف الزور بالضلوع في جريمة القتل والتواطؤ مع زوجة الهالك وابنه لعرقلة مسار البحث وتمكين قتلة الحاكم الجماعي من الإفلات من المساءلة. كلها خرجات غير موفقة ولا تنبني على أساس منطقي أو قانوني غايتها إبعاد الشبهة عنه، لكن لعنة الحاكم ظلت تطارده حتى اليوم.

 

الحلقة (4) : هفوات البحث التمهيدي للدرك

امتد البحث التمهيدي للدرك الملكي في جريمة قتل أحمد نبيه ل8 أشهر دون أن يسفر عن تنوير العدالة أو تقديم الجناة للمحاكمة، بدأ البحث التمهيدي متعثرا إما جراء أخطاء جسيمة أو زلات متعمدة، أولها غسل سيارة الضحية، ثانيها عدم ظهور نتائج البصمات التي رفعت من

سيارة الضحية ووجهت للمختبر العلمي للدرك الملكي بالرباط من أجل تشخيصها، وثالثها إغفال شخص رئيسي في هذه الجريمة إنه المستخدم الباجي رحال الذي تخلف عن مرافقة أحمد نبيه في رحلة العودة ليلة 24 يوليوز 2000 ووجد سكينه بحوزة الضحية، هذا المستخدم بدا غيابه مشكوكا فيه، كما لم يتم الاستماع إليه في محضر رسمي من قبل عناصرالدرك الملكي التي اكتفت بزيارته بمنزله، ومع أنه سجلت تناقضات ما بين تصريحاته بخصوص برنامجه يومي 24 و25 يوليوز وتصريحات زوجته فلم يجر تعميق البحث مع كليهما رغم التناقضات الصارخة في تصريحاتهما، هذا المستخدم غادر مقر إقامته بعيد وقوع الجريمة وتوارى عن الأنظار بشكل كلي. عناصر الدرك أثناء بحثها توصلت بإخبارية تفيد أن3 أشخاص يمتهنون التسكع والبلطجة قرب مسرح الجريمة لا يستبعد أن يكون لهم علاقة بالحادث. انتقلت عناصر الدرك الملكي إلى مقر إقامة أول المشتبه فيهم الثلاثة غبري عبد القادر، وساقته إلى مقر الدرك حيث استمع إليه في محضر رسمي، والمفاجأة أنه كشف ضلوعه وشريكيه في جريمة قتل أحمد نبيه بعد أن ترصدوا له بالمسلك الطرقي الذي دأب أن يسلكه في طريق العودة ورماه أحدهم بحجر أفقده التوازن فتم الاستحواذ على السيارة وتوجيه طعنات قاتلة للضحية، قبل أن يتولى المدعو لصفر الإجهاز على الحاكم الجماعي. جرى توقيف شريكي غبري عبد القادر فنفيا تصريحاته، كما سجلت الضابطة القضائية للدرك
تناقضات في تصريحات غبري عبد القادر ووالدته وخاله، وبعد ربط الاتصال بالنيابة العامة أصدرت هذه الأخيرة تعليماتها هاتفيا بإطلاق سراح المشتبه فيهم الثلاثة رغم خطورة ودقة تصريحاتهم ودون عرضهم على النيابة العامة أو قاضي التحقيق. النيابة العامة بسطات وبعد مضي 18 سنة ستتدارك خطأها الجسيم هذا ومن خلال ملتمس بإجراء تحقيق رفعه نائب الوكيل العام  ماهر للسيد قاضي التحقيق سيستنكر ممثل الحق العام، كيف تم إطلاق سراح هؤلاء الثلاثة رغم خطورة ما جاء على لسان غبري عبد القادر من وصف دقيق لطريقة تنفيذ الجريمة، وسيلتمس الوكيل العام متابعة المتهمين الثلاثة بجناية القتل
العمد مع سبق الإصرار والترصد. محققو الدرك الملكي سيتفاجؤون بالشاهد أحمد الراوي وهو مستخدم لدى شركة بالدار البيضاء كانت تباشر أشغالا قرب مسرح الجريمة صرح أحمد الراوي أنه ليلة 24 يوليوز 2000 كان عائدا بعمال الورش من مدينة سطات صوب مقرالورش فصادف سيارة رباعية الدفع في حدود الساعة 10.30 ليلا قادمة بسرعة جنونية من مسرح الجريمة. ونظرا لضيق المسلك الطرقي انحنى جانبا حتى يمكنها من المرور تفاديا للاصطدام بها، الشيء الذي مكنه من معاينة نوع السيارة وملامح سائقها الذي كان مرفوقا بشخص آخر، واستطرد الشاهد أحمد الراوي في تصريحه أنه بعد يومين كان في زيارة لأقرباء له بحي السماعلة فصادف نفس السيارة متوقفة أمام منزل الضحية أحمد نبيه، ومن تلقاء نفسه سجل رقم تسجيلها وتقدم أمام الدرك بإفادته. ربط المحققون الاتصال بمركز تسجيل السيارات التابع لمندوبية التجهيز بسطات وتم تنقيط السيارة فتبين أنها في ملكية مصطفى الدلوادي شقيق مقترف الزور محمد الدلوادي. جرى استدعاء مالك السيارة إلى مقر الدرك الملكي وتم حجز سيارته رباعية الدفع، وكان بصندوقها الخلفي آثار دماء ادعى أنها تخص دجاجا، لم يحمل المحققون نفسهم عناء إجراء خبرة على السيارة أو فحص عينة الدماء التي كانت بصندوقها الخلفي، ادعى مصطفى الدلوادي أنه ليلة 24 يوليوز 2000 أقل زوجته من مقر العمل إلى منزل والدته، تركها هناك وجالس صديقيه تاج الدين عبد المغيث وجبير مصطفى لفترة من الزمن ثم أدى رفقتهما صلاة العشاء بالزاوية البوعزاوية. لم يستدع الدرك كلا من تاج الدين عبد المغيث وجبير مصطفى للتأكد من تصريحات مصطفى الدلوادي، وهذا من هفوات البحث التمهيدي للدرك والتي لا تعد ولا تحصى أدخلت قضية مقتل أحمد نبيه فيدوامة من المجهول عوض أن ينير البحث التمهيدي طريق قاضي التحقيق للوصول إلى
الحقيقة.

 

الحلقة (5) : التعرف على المشتبه فيه مالك السيارة رباعية الدفع

أغفل محققو الدرك الملكي الاستماع لكل من تاج الدين عبد المغيث وجبير مصطفى اللذان ادعى مصطفى الدلوادي مالك السيارة رباعية الدفع التي شوهدت قادمة من مسرح الجريمة ليلة 24 يوليوز 2000، للتأكد مما إذا كان بالفعل يتواجد بمعيتهما وأدى معهما صلاة العشاء بالزاوية البوعزاوية كما جاء على لسانه، وقد تم إخلاء سبيله من مقر الدرك الملكي وسلمت له السيارة رباعية الدفع دون إخضاعها لأية خبرة أو مسح لرفع البصمات أو أي شيء من شأنه أن يفيد البحث، عملية الإفراج تمت على الرغم من شهادة أحمد الراوي وهي الشهادة التي أكدها 4 مستخدمين كانوا يرافقون الراوي في رحلة العودة إلى الورش ليلة وقوع الجريمة. النيابة العامة بسطات وبعد انصرام 18 سنة ستتدارك من جديد الخطأ وستستنكر إطلاق سراح مصطفى الدلوادي دون عرضه على النيابة العامة أو إخضاعه للتحقيق خاصة وأن الأبحاث التالية كشفت كذبه في كل التصريحات، فعندما تولت الفرقة الوطنية التحقيق في الجريمة سنة 2001 استدعت كلا من تاج الدين عبد المغيث وجبير مصطفى فأنكرا بشكل قاطع أن يكون مصطفى الدوادي قد جالسهما ليلة 24 يوليوز 2000 أو أدى معهما صلاة العشاء بالزاوية البوعزاوية لا في ذلك اليوم ولا في أي يوم آخر 

 

 

الحلقة (6) : العشوي المختار طوق نجاة في الزور ومصرح في القتل

من أبرز الأشخاص الذين جرى الاستماع إلى إفادتهم في جريمة قتل الحاكم الجماعي لسيدي العايدي الفقيد أحمد نبيه المسمى العشوي المختار، وهو من مواليد 1960 بالدار البيضاء متزوج وأب لطفلين، أكد أنه فوجئ يوم 25 يوليوز 2000 صباحا باتصال هاتفي من المسمى الدلوادي الحاج محمد، صرح له بأن زوج خالته نبيه أحمد لم يلتحق بمنزله ليلة 24 إلى 25 يوليوز 2000 وأن عائلته تبحث عنه، وبعد مرور نصف ساعة عاود محمد الدلوادي الاتصال به وأطلعه بأن نبيه أحمد قد عثر على جثته مغتالا داخل سيارته. المثير في الأمر أن الدلوادي محمد اتصل بالعشوي المختار على الرغم من أن بين الرجلين نزاعات معروضة على القضاء، ففي سنة 1997 تقدم محمد الدلوادي بشكاية ضد العشوي المختار أمام استئنافية سطات يتهمه بتزوير عقود بيع أراضي فلاحية، أحيلت الشكاية على قاضي التحقيق فأصدر هذا الأخير أمرا بعدم المتابعة في حق العشوي المختار وحفظ الملف حسب القرار عدد 56/96 والأمر عدد 89/97 ، وشكاية محمد الدلوادي للسيد قاضي التحقيق كان يراد منها البحث عن مخرج بعد أن كشف الحاكم الجماعي عملية تزوير عقود بيع عرفية للاستحواذ على عقارات في ملكية 3 نسوة من أقربائه استنجدت إحداهن به وتدعى مكرم خدوج، وبعد أن بذل مقترف الزور كل مجهوداته للمداراة عن عملية التزوير وأمام إصرار ضحية الزور على متابعته تقدم بشكاية لقاضي التحقيق ضد العشوي المختار، يشار إلى أنه بعد قتل الحاكم الجماعي والعثور على نسخ العقود المزورة والتي كان يحتفظ بها داخل خزانة حديدية داخل غرفته بمنزله بحي السماعلة سطات، وبعد تقديم هذه العقود للمحكمة الابتدائية بسطات أدين مقترف الزور في الملف عدد 3371/2000 ب 3 أشهر نافذة وغرامة مالية تقدر ب 500 درهم.  كما أن العشوي المختار سبق وأن باع محمد الدلوادي سنة 1998 قطعة أرضية فلاحية بجماعة الحساسنة قيادة سيدي المكي ، وسبق أن اشتغل العشوي المختار بصيدلية محمد الدلوادي بالدار البيضاء وكان يتولى إنجاز المعاملات المالية بما فيها صرف الشيكات البنكية. دون إغفال أن العشوي المختار كان يدير وكالة لتأجير السيارات بالدار البيضاء  كان يكتري منها مقترف الزور مجموعة من السيارات لفائدة شركته المختصة في توزيع الأدوية. العشوي المختار أكد أن تصرفات محمد الدلوادي يوم 25 يوليوز 2000 لم تكن طبيعية بالمرة، وهو ما أكد عليه كذلك في محضر الاستماع إليه من قبل الفرقة الوطنية للشرطة القضائية يوم 20 يونيو 2001، حيث أكد أن محمد الدلوادي منع زوجة الهالك من إلقاء نظرة على جثمان زوجها، كما أكد بصريح العبارة أن المسمى محمد الدلوادي أخبره أن يكن الحقد والعداوة للهالك قيد حياته، الشيء الذي أثار شكوكه حول ضلوع محتمل لمحمد الدلوادي في جريمة قتل أحمد نبيه. هذه التصريحات التي جاءت على لسان الشاهد العشوي المختار أكدها أمام ممثل النيابة العامة وقاضي التحقيق، إلا أنه تملص من الاستجابة إلى الاستدعاءات المتكررة التي وجهتها إليه هيئة المحكمة بالغرفة الجنائية الابتدائية بسطات، وكان يشاهد وهو يرافق المتهم بالمشاركة في القتل العمد دون أن يمتثل لأمر المحكمة الرامي للإدلاء بإفادته وتأكيد ما جاء على لسانه من احتمال ضلوع محمد الدلوادي في جريمة قتل الحاكم الجماعي لسيدي العايدي أحمد نبيه بحكم التصرفات المريبة التي بدت عليه يوم 25 يوليوز 2000.

 

 

الحلقة (7) : لماذا تخلف الباجي رحال عن مرافقة الحاكم ليلة مقتله ؟

بتتبع خيوط جريمة اختطاف وقتل الحاكم الجماعي لسيدي العايدي الفقيد أحمد نبيه يتبين أن الجريمة لم تكن عفوية أو وليدة الصدفة بل جرى التخطيط لها بإحكام وعلى مدار أيام وأسابيع تم خلالها تمشيط المسلك الطرقي الذي دأب الهالك على سلكه ذهابا وإيابا من منزله بحي السماعلة صوب ضيعته ضواحي سيدي العايدي، وفوجئ مدبر جريمة القتل بعائق يتمثل في مستخدم يدعى الباجي رحال هو من مواليد 1955 بدوار الغرابة سيدي العايدي متزوج وأب لأربعة أبناء اشتغل لدى الحاكم لما يزيد عن السنة وكان يقوم بعملية حلب الأبقار وإطعام الماشية وقد اعتاد مرافقة الحاكم الجماعي على متن سيارته طيلة الطريق المؤدية من الضيعة إلى الطريق الرئيسية المؤدية إلى مدينة سطات حيث يهبط هنالك ويتوجه إلى مقر إقامته، إلا أنه يوم 24 يوليوز 2000 اشتغل بالضيعة إلى حدود منتصف النهار فشعر بتوعك صحي، استأذن من المشرف عن العمال فأذن له بالتغيب زوالا، لهذا غادر الضيعة ولم يرافق الحاكم. وحسب ما هو مدون في محضر الاستماع المنجز من قبل نائبي الوكيل العام لدى محكمة الاستئناف بسطات الأستاذ محمد فاتحي والأستاذ محمد الضاوي فإن الباجي رحال التحق بمنزله يوم 24 يوليوز 2000 حوالي الساعة 4.30 ولكونه كان يشعر بألم في ظهره فقد قامت زوجته خديجة شتوي بدهن مرهم على مستوى ظهره لإزالة الألم ولم يغادر منزله حتى صباح اليوم الموالي، حيث توجه على الساعة 07.30 صباحا إلى مدينة سطات لاقتناء ما يلزم لإعداد وجبة عذاء لضيوف حلوا بالدوار، ولم يعلم بجريمة القتل إلا في حدود الساعة 12.00 ظهرا حيث حضرت عناصر من الدرك الملكي إلى الدوار وطلبت منه الالتحاق بالقيادة الجهوية للدرك صباح اليوم الموالي، وبالفعل التحق بالمركز القضائي للدرك الملكي وجرى الاستماع إليه على مدار 4 ساعات دون أن ينجز له محضر قانوني أو يوقع على أي مستند، كما أفاد في محضر الاستماع إليه من قبل الفرقة الوطنية للشرطة القضائية أن السكين الذي وجد بمقصورة القتيل يخصه كان قد سلمه لمشغله صباح يوم 24 يوليوز لتقطيع حبات من التين الشوكي. الأستاذ الناصري قاضي التحقيق بالغرفة الأولى باستئنافية سطات استمع للمصرح الباجي رحال في أكثر من مناسبة وسجل تناقضات في تصريحاته إذ صرح أمام نائبي الوكيل العام بأنه غادر مقر عمله وتوجه إلى منزله حيث وصل إلى هناك حوالي الساعة 04.30 ومكث به إلى غاية صباح اليوم الموالي حيث توجه على الساعة 07.30 إلى مدينة سطات في حين صرح أمام الفرقة الوطنية بأنه التحق بمنزله يوم الاثنين على الساعة 03.00 ولم يغادره إلا بعد حضور عناصر الدرك الملكي إلى منزله، وأوضح السيد قاضي التحقيق أن تصريح الباجي رحال الأول يتعارض مع تصريح زوجته أمام نائبي الوكيل العام بتاريخ 20/03/2002 والذي جاء فيه أن زوجها كلف شخصا مجهولا لديها بأن يحضر بعض اللوازم من مدينة سطات قصد إعداد الطعام للضيوف وأنه لم يغادر المنزل بتاتا. ومن ثم نخلص إلى أن تخلف الباجي رحال عن مرافقة مشغله ليلة وقوع الجريمة كان مقصودا حتى يفسح المجال للقتلة من أجل اختطاف الحاكم والإجهاز عليه ما يؤكد هذا الطرح التناقضات التي اتسمت بها تصريحات الباجي رحال أمام نائبي الوكيل العام ومحققي الفرقة الوطنية وكذا التناقضات ما بين تصريحاته وتصريحات زوجته، دون إغفال طرح تساؤل حول السر في عدم إنجاز المركز القضائي للدرك الملكي بسطات محضر استماع للباجي رحال وعدم تعميق البحث معه بخصوص سكينه الذي وجد بمقصورة سيارة الضحية. هذا وقد توارى المستخدم الباجي رحال عن الأنظار بمجرد وقوع جريمة القتل وترك مسكنه ضواحي سيدي العايدي ، الشيء الذي يدعو إلى التساؤل حول مدى علاقته بقتلة أحمد نبيه. 

 

الحلقة (8) : أول خرجات مدبر الزور والقتل

عندما كان محققو الدرك الملكي بسطات منشغلين بمحاولة فك خيوط جريمة القتل البشعة التي ذهب ضحيتها أحمد نبيه إذ وجهت للرجل ذي 77 سنة 33 طعنة بالسكين في الجزء العلوي من جسده ، جريمة نكراء اهتزت لها جهة الشاوية لسيرة الرجل العطرة وخلقه الحسن، وتفاجأ المحققون بمقال يصدر بجريدة الأحداث المغربية تحت عنوان (قتلوه وبتروا عضوه التناسلي) الغاية منه تضليل البحث والتأثير سلبا على المحققين. 5 سنوات بعد ذلك سيصدر مقال بجريدة محلية مغمورة إنها جريدة الشفق ، صدر مقال في عددها السادس بتاريخ 29/11/2005 تحت عنوان (المقاوم الخائن وترهات الابن الطامع)، كال محرره السباب والشتائم لابن الضحية الدكتور نبيه محاولا اتهامه بالضلوع في جريمة قتل والده أملا في الظفر بثروته كما اتهم الأب القتيل بأنه كان يحب كنز المال وتساءل عن مصدر ثروته ومآلها ، كما شكك في تاريخه النضالي مؤكدا أن (في ذلك سر من الأربعينات أو الخمسينات في علاقة بعض الأعيان العملاء الخونة الذين تحولوا بقدرة قادر إلى أعيان ، منهم الفلاح الكبير والحاكم المحترم والتاجر الكبير والصناعي المبتكر، سبحان الله كما يقول المثل صيفنا أصبح شتاءً !). أسرة الضحية لم تستسغ أن يتم التشهير بأحد أفرادها في شخص الدكتور نبيه أو المساس بسيرة الحاكم الجماعي المشرفة فسارعت عن طريق دفاعها إلى توجيه شكاية إلى السيد وكيل الملك لدى المحكمة الابتدائية بسطات من أجل السب والقذف ونشر بلاغ كاذب ملتمسة إصدار تعليمات مسؤول النيابة العامة إلى رجال الضابطة القضائية قصد الاستماع إلى عبد الله الناصري باعتباره المدير المسؤول عن جريدة الشفق المغربية وخالد بناني رئيس التحرير، فضلا عن متابعة الجريدة في شخص مديرها المسؤول وكذا رئيس التحرير من أجل الأفعال المنسوبة إليهما والحكم عليهما وفق فصول المتابعة. وأشعر دفاع المطالبين بالحق المدني السيد قاضي التحقيق المكلف بملف جريمة القتل بهذا المعطى المستجد، فاستدعى السيد قاضي التحقيق مدير نشر الجريدة فعرض عليه المقال الوارد في الصفحة 5 من العدد 6 الصادر بتاريخ 29/11/2005 فأكد بأن كاتب المقال المذكور هو محمد الدلوادي باعتباره أحد مراسلي الجريدة وعلى مسؤوليته، وأعاد السيد قاضي التحقيق الاستماع إلى مدير الجريدة فأكد بعد أدائه اليمين أنه على إثر نشر المقال لصاحبه محمد الدلوادي تحت عنوان (المقاوم الخائن وترهات الابن الطامع) طرد هذا الأخير من عضوية الجريدة تفاديا للدخول في حزازات. استدعى قاضي التحقيق محمد الدلوادي فعرض عليه المقال موضوع الشكاية فنفى كل علاقة له به موضحا بأنه كان منخرطا فعلا في الجريدة المذكورة إلا أن المقالات التي كان يحررها وتصدر باسمه تقتصر على ميدان الصيدلة والعلوم الطبية. إلا أنه بمراجعة الأعداد الصادرة من جريدة الشفق المغربية وهي تعد على رؤوس الأصابع باعتبار الجريدة غير منتظمة في الصدور وهي من الجرائد الصفراء التي تعتمد على الاسترزاق ونسخ المواضيع لم نجد أية مقالة منشورة باسم محمد الدلوادي تخص عالم الصيدلة والعلوم الطبية وهي مواضيع لها مجال خاص للنشر محدد في المجلات العلمية، فكيف يتم نشر هذه المواضيع في جريدة صفراء مديرها المسؤول أمي لا يفرق بين (الألف وعصا الطبال !). السيد قاضي التحقيق عمق البحث في المقال المنشور وأعاد استجواب محمد الدلوادي فأكد هذا الأخير أنه أثناء تجاذب أطراف الحديث مع مدير الجريدة ورئيس التحرير التمس إجراء بحث عن صفة المقاوم المنسوبة إلى الحاج أحمد نبيه وتطوع مدير الجريدة وأجرى بحثا لدى مندوبية المقاومة، وعليه نشر المقال موضوع الشكاية، إلا أن مدير النشر لما ووجه بهذا المستجد أدلى للسيد قاضي التحقيق ببطاقة المعلومات الشخصية للمدعو محمد الدلوادي تتضمن هويته الكامنة، رقم بطاقته الوطنية، مهنته كدكتور صيدلي ومهمته بالجريدة مستشار. كما حرر المدير المسؤول عبد الله الناصري ورئيس التحرير بناني إشهادين مصححي الإمضاء أدليا بهما دفاع المطالبين بالحق المدني يؤكدان من خلالهما أن محمد الدلوادي هو محرر المقال موضوع الشكاية. ولعمري إن هذا هو العبث بعينه، إذ كيف يعقل أن يشتغل دكتور صيدلي مستشارا لمدير جريدة صفراء أمي، ومن ثم فإن نشر المقال المذكور يعكس حجم الحقد والضغينة اللذان كان يكنهما محمد الدلوادي للحاكم الجماعي القتيل. ما سيؤكد هذا خرجات إعلامية لاحقة.

 

الحلقة (9) : لماذا زار مقترف الزور الحاكم الجماعي قبل مقتله ؟

وجد محققو المركز القضائي للدرك الملكي بسطات وهم بصدد التحقيق في جريمة قتل أحمد نبيه روابط عدة تجمع جريمة القتل بجريمة تزوير عقود بيع عرفية اقترفها المشتبه فيه الرئيسي في جريمة القتل، وقد تكون هي الدافع وراء إزهاق روح الحاكم الجماعي، فإذا كان كل من جرى الاستماع إليهم قد أجمعوا على حسن سيرة الهالك والعلاقة الطيبة التي تجمعه بالساكنة وأن قريبا له تورط في جريمة تزوير عقود بيع عرفية وحده من يكن له الحقد والضغينة، فقد كان لزاما على المحققين البحث في القضايا التي دأب الحاكم الجماعي على النظر فيها، ومن ثم تقرر الاستماع إلى كاتبه الخاص العسلي التهامي بن صالح من مواليد 1961 بدوار أولاد موسى سيدي العايدي، اشتغل كاتبا ملحقا بجماعة سيدي العايدي إلى جانب المسمى قيد حياته أحمد نبيه منذ سنة 1996 ، إذ كانت تطرح عليه مشاكل تتعلق بفتح الطريق وعدم امتثال الأشخاص في حال استدعائهم من طرف السلطة وعدم أداء الديون التي لا يتعدى قدرها 1000 درهم، وقد كان الحاكم الجماعي محل تقدير من طرف المقاضين إذ لم يسبق له أن تعرض لأي تهديد من طرف أي كان، وأضاف الكاتب أنه أسابيع قبل مقتل الحاكم كان بمعيته داخل مكتبه بجماعة سيدي العايدي ففوجئ بالشقيقين محمد وحسن الدلوادي يزوران الحاكم الجماعي واضطر الكاتب إلى الانصراف حتى يفسح لهما المجال للاختلاء به. اجتماع الأخوين بالضحية أحمد نبيه دام حسب ما رشح من معلومات على لسان رئيس جماعة سيدي العايدي أزيد من 3 ساعات سمعت خلالها أصوات عالية وعبارات وعيد وتهديد وانصرف الأخوان محمد وحسن الدلوادي إلى حال سبيلهما وردد حسن عبارته المشهورة موجها خطابه لشقيقه محمد (والله وطرات شي حاجة للحاج أحمد حتى تحصل). محققو الدرك التقطوا هذه المعلومة الثمينة واستدعوا المدعو محمد الدلوادي وعند استفساره عن سر زيارته للحاكم الجماعي أياما قبل مقتله أفاد بأنه بالفعل زار بمعية أخيه حسن المسمى أحمد نبيه وذلك للتوسط لمنعش عقاري يدعى البوعزاوي كان يرغب في مد قنوات صرف صحي عبر أرض في ملكية زوجة الحاكم وأن هذا الأخير بعد اطلاعه على التصميمات وافق على عملية الربط، كما أضاف بأن اجتماعه وشقيقه بالحاكم شكل مناسبة ليبثهم أحمد نبيه شكواه بخصوص مشاكل عائلية يعيشها مع أبنائه وأنه لم يتم بالمرة التطرق إلى قضية تزوير العقود والشكاية التي رفعتها مكرم خدوج ضد محمد الدلوادي. هذا التصريح يناقض ما جاء على لسان حسن الدلوادي الذي أكد واقعة الاجتماع وأضاف أنه تم التطرق إلى قضية الزور وأن الحاكم استغرب استمرار المشتكية في مقاضاة المزور رغم أن العقار لا يزال بحوزتها. هذا التصريح يؤكد ما جاء على لسان العشوي المختار أثناء الاستماع إليه من قبل الدرك الملكي حيث أفاد بأن حسن الدلوادي أخبره أن لقاءه وشقيقه محمد بالحاكم الجماعي شكل مناسبة لطرح مشكل الزور المعروض على الشرطة وأن الحاكم فضل أن يأخذ الملف مساره القانوني إلى أن يبت فيه القضاء دون أي تدخل من جانبه. القضاء سواء تعلق الأمر بقاضي التحقيق أو هيئة الغرفة الجنائية الابتدائية ستقف على تناقض صارخ ومهم، ففي الوقت الذي يؤكد فيه محمد الدلوادي وشقيقه حسن الدلوادي أنهما زارا الحاكم للتوسط للمقاول البوعزاوي مثل هذا الأخير أمام القضاء ونفى أن يكون قد طلب وساطة الشقيقين كما نفى أن تكون هناك مجاري للصرف الصحي يراد مدها من أرض في ملكية زوجة الحاكم. وإذا ما استحضرنا أن الضحية أحمد نبيه قد اختطف وعذب وقتل في نفس اليوم الذي استدعي فيه محمد الدلوادي إلى مقر الشرطة القضائية بسطات للاستماع إليه بخصوص قضية الزور، وإذا ما راعينا ما جاء على لسان رئيس جماعة سيدي العايدي من كون اللقاء الثلاثي كان صاخبا وغلب عليه الوعيد والتهديد وأن الحاكم الجماعي لم يكن يعتبر محمد الدلوادي موضع ثقة بل كان يصفه بزعيم المافيا، فإن زيارة الشقيقين للضحية كانت متعمدة يراد من ورائها ثنيه عن مساندة النسوة ضحايا التزوير ولما فشلا في مهمتهما كان البديل هو إخراس صوت الحاكم الجماعي إلى الأبد.

 

الحلقة (10) : بحث النيابة العامة أية قيمة مضافة ؟

رأينا كيف استغرق البحث التمهيدي للدرك الملكي 8 أشهر كاملة دون أن يسفر عن تقديم الجناة إلى العدالة، كان بحث الدرك محضر عدد 334 معيبا منذ البداية جراء غسل سيارة الضحية إغفال الاستماع للمستخدم الباجي رحال المتخلف عن مرافقة الحاكم ليلة الحادث وعدم تعميق البحث معه بخصوص سكينه الذي وجد مع الضحية، عدم تعميق البحث كذلك مع المشتبه فيهم الثلاثة من ذوي السوابق العدلية والذين أدلى أحدهم بمعلومات تفصيلية ودقيقة بخصوص طريقة تنفيذ الجريمة، ورغم التناقضات في أقواله وأقوال شريكيه وذويهم أطلق سراح الثلاثة وسط دهشة الكل، ولم يكد المتتبعون لمسار البحث في جريمة قتل الحاكم الجماعي لسيدي العايدي يستفيقون من هول الصدمة الأولى حتى فوجئوا بصدمة ثانية أقوى وأشد إنها إخلاء سبيل المشتبه فيه مصطفى الدلوادي الذي شوهد قادما من مسرح الجريمة ليلة 24 يوليوز على متن سيارة رباعية الدفع بسرعة جنونية وتعرف عليه الشاهد أحمد الراوي، ورغم تضارب تصريحات مصطفى الدلوادي عن أماكن تواجده ليلة وقوع الجريمة أخلي سبيله وتم تمكينه من سيارته رباعية الدفع دون إخضاعها للخبرات التقنية المتعارف عليها في مثل هذه الحالات. وعلى ضوء ذلك تقدم ابن الضحية بطلب إلى السيد الوكيل العام للملك لدى استئنافية سطات من أجل إسناد البحث في الجريمة لعناصر الفرقة الوطنية للشرطة القضائية، وبالفعل وعلى ضوء التكليف من الوكيل العام تولت الفرقة التحقيق في الجريمة واستمعت إلى العديد من الأطراف، وحققت تقدمين ملموسين، الأول تأكيد الاتهام الموجه لمصطفى الدلوادي بالتورط في الجريمة بعد أن تم إنجاز محضر تعرف بمقر الفرقة الوطنية شخص من خلاله الشاهد أحمد الراوي مصطفى الدلوادي باعتباره من كان يفر من مسرح الجريمة ليلة قتل الحاكم، المعطى الثاني هو تسجيل تناقض في تصريحات المستخدم الباجي رحال بخصوص ساعة عودته لمنزله وما إذا كان قد غادره من عدمه ، وقد سجل هذا التناقض بعد أن تم الاستماع إلى زوجة المستخدم الباجي رحال والتي عاكست تصريحاتها تصريحات زوجها. وخلصت الفرقة الوطنية إلى أن عدم إشراكها في التحقيقات منذ ساعة وقوع الجريمة وإتلاف العديد من الأدلة جراء غسل السيارة لم يساعد محققيها على كشف هوية الجناة والتزمت بمواصلة التحريات وموافاة النيابة بكل مستجد. أمام الضغط الإعلامي الممارس جراء بشاعة جريمة القتل وهوية الضحية ومكانته الاعتبارية في المجتمع، حيث واصلت جل وسائل الإعلام المكتوبة متابعتها لمجريات البحث متسائلة عن سر التماطل في تقديم الجناة للعدالة خاصة بعد أن تم كشف العلاقة القوية التي تجمع جريمة القتل بجريمة الزور، علاقة سببية بمقتضاها يكون القتل نتيجة للزور، والغاية من الجريمة ككل هي إسكات صوت الحاكم الجماعي حتى لا تجد ضحية الزور مكرم خدوج من يؤازرها في مواجهة زعيم مافيا التزوير كما كان يلقبه أحمد نبيه قيد حياته. لامتصاص الغضب الجماهيري كان لزاما على رئيس النيابة العام باستئنافية سطات حينها إعطاء إشارة على رغبة القضاء في الوصول إلى الحقيقة، فأوكل إلى نائبين له بالنيابة العامة مهمة إعادة الاستماع إلى كل الأطراف وبالفعل أشرف كل من الأستاذ الضاوي والأستاذ الفاتحي على تحقيق النيابة العامة وأعادوا الاستماع من جديد إلى أهل الضحية وبعض المستخدمين كما استمعوا إلى المستخدم الباجي رحال وزوجته وسجل تناقض في تصريحاتهما، كما تم الاستماع إلى الأخوين محمد ومصطفى الدلوادي وإلى شهود النفي الذين ادعى مصطفى الدلوادي تواجده معهم ليلة وقوع الجريمة فأنكر تاج الدين عبد المغيث وجبير مصطفى كل ما جاء على لسان مصطفى الدلوادي فيما لم يجزم فليح الأب والابن إذا ما كان مصطفى الدلوادي قد جالسهما يوم الحادث أو يوما بعده وإن كانوا أكدوا أن اجتماعهم به بمقهى بحي السماعلة بسطات لم يتعد دقائق معدودات، ورغم أن الشاهد الشرغاوي الذي استعان به مصطفى الدلوادي لنفي التهمة عنه أكد تواجد المتهم مصطفى الدلوادي بمعيته ليلة 24 يوليوز 2000 حيث تناول مع ضيفين آخرين وجبة العشاء بمنزله بحي المناصرة إلا أنه سجل تناقض بخصوص ساعة ومكان تناول وجبة العشاء. هذه التناقضات المسجلة في محاضر الاستماع المنجزة من قبل النيابة العامة كانت كافية لتعزيز الشكوك التي تحوم حول كل من محمد ومصطفى الدلوادي والمتهمين الثلاثة الآخرين، إلا أن النيابة العامة وقتها كان لها رأي مخالف فأعادت تكييف الجريمة من القتل العمد إلى القتل ضد مجهول، لكن المفارقة المثيرة للدهشة والاستغراب أن نفس النيابة العامة بعد مضي 18 سنة عادت وتابعت المتهمين الخمسة واستنكر ممثل النيابة العامة سنة 2018 كيف أخلي سبيلهم رغم كل القرائن التي تدينهم وكيف تركوا أحرارا يتلفون معالم الجريمة ليتسنى لهم الإفلات من العقاب وهو ما تأكد بالفعل لو كان المتهمون الخمسة قد وضعوا رهن الاعتقال الاحتياطي لكان بوسع المحققين والقضاء الوصول إلى أدلة الإدانة التي تم إتلافها. 

 

الحلقة (11) : الدلوادي حسن حضور مثير في الزور والقتل

رأينا كيف لعب مصطفى الدلوادي دورا محوريا في جريمة القتل إذ شوهد قادما من مسرح الجريمة ليلة 24 يوليوز 2000 على متن سيارته رباعية الدفع وبرفقته شخص ضعيف البنية رجح الأستاذ نعمان دفاع المطالبين بالحق المدني أن يكون المتهم غبري عبد القادر، مشاهدة مصطفى الدلوادي بمسرح الجريمة تم بشهادة أحمد الراوي وعمال الورش الذين كانوا برفقته في رحلة العودة من سطات إلى مكان الورش التابع لشركة سوتراب وهم أحمد معسيلة وعزيز وايت لحسن بن محمد كما أن مصطفى الدلوادي هو من أشعر شقيقه محمد بواقعة اختفاء الحاكم، وقد سعى للتخلص من لحية خفيفة حتى يبدد كل القرائن الدالة عليه، ثم إن السيارة التي تعقبت أحمد الراوي عقب مغادرته مقر الدرك بعد الإدلاء بشهادته والتي تحمل ترقيما أجنبيا هي ذاتها السيارة التي أقلت زوجة مصطفى الدلوادي حليمة المنصري إلى مقر الدرك الملكي بسطات دون إغفال التناقضات ما بين تصريحات كل من مصطفى وتاج الدين عبد المغيث، جبير مصطفى، فليح محمد وفليح إبراهيم ورشيد الشرغاوي مع استحضار تخلص مصطفى الدلوادي من سيارته رباعية الدفع التي كذب بخصوص إعارتها من عدمه وكذب كذلك أمام قاضي التحقيق في أكثر من تصريح بخصوص مآلها. إلى جانب مصطفى الدلوادي تبرز شخصية أخرى لها دور محوري في جريمتي الزور والقتل إنها شخصية حسن الدلوادي شقيق الأخوين محمد ومصطفى، حيث تكرر اسمه في أكثر من محطة، فقد سبق وأن زار ضحية الزور مكرم خدوج وحاول ثنيها عن متابعة شقيقه محمد الدلوادي كما رافق هذا الأخير في زيارة الوداع إلى الحاكم الجماعي بمكتبه بجماعة سيدي العايدي أسابيع قبل مقتله، وبخصوص هذا اللقاء مع الحاكم القتيل ادعى حسن الدلوادي أنه رافق شقيقه محمد والمقاول البوعزاوي إلا أن هذا المقاول وأثناء مثوله أمام هيئة المحكمة وأدائه اليمين أنكر مرافقته للشقيقين أو طلب وساطتهما لدى الحاكم لتمرير قنوات الصرف الصحي، بل أنكر حتى وجود قنوات للصرف الصحي يراد تمريرها، وعندما واجه القاضي حسن الدلوادي بتصريح المقاول لم يعقب. حسن رافق شقيقه محمد الدلوادي أثناء زيارته للزهيدي مريم وأوهمها الاثنان بأن لها نصيبا من الإرث سوف تتسلمه ورافقاها لإنجاز بطاقة التعريف الوطنية ومن ثم إلى قصر بلدية سطات حيث أجبرت على التوقيع على مجموعة من الوثائق تجهل فحواها، كما أن حسن الدلوادي هو من توجه إلى قيادة سيدي العايدي وجلب شهادة الوفاة المعدة سلفا والتي اكتفى كاتب القائد بأن دون عليها عبارة عثر عليه متوفيا اليوم 25 يوليوز 2000. ضف إلى ذلك أن حسن الدلوادي هو من أوعز إلى أسرة الحاكم الجماعي بالإسراع بإغلاق حساباته البنكية في الوقت الذي كان فيه الكل منشغلا بالبحث عن أحمد نبيه المختفي. تصرفات حسن الدلوادي عقب وقوع جريمة القتل لم تكن أقل ريبة من تصرفات شقيقه محمد وإن كان قد بذل مجهودا مضنيا لدرء تهمة التورط في الزور والقتل عن شقيقه، إذ ادعى أثناء الاستماع إليه تفصيليا من قبل قاضي التحقيق بأن قضية الزور لم يكن لها أي تأثير على علاقته وإخوته بالهالك أحمد نبيه والتي استمرت عادية وكادت تنتهي بعلاقة زواج ما بين شقيقه المختار وابنة الضحية ربيعة. كما كذب حسن حين ادعى بأن الحاكم الجماعي لم يتدخل بصورة مباشرة في قضية الزور في حين أن الحاكم هو من كشف الزور وساند ضحيته ومكنها من تنصيب محامي ورفع شكاية أمام القضاء. كما كذب حسن عندما ادعى أن اجتماعه وشقيقه محمد بالحاكم أسابيع قبل مقتله شكل مناسبة ليتم التوافق على حفظ القضية بصفة نهائية. وعبثا حاول حسن الدلوادي أثناء مناقشة قضية القتل أمام الغرفة الجنائية الابتدائية بسطات والتي توبع أمامه شقيقاه محمد ومصطفى بجناية المشاركة في القتل العمد درء التهمة عنهما إذ أنكر أن يكون تدخل للحصول على شهادة الوفاة كما ادعى بأن تصرفات شقيقه محمد يوم 25 يوليوز كانت عادية، وتراجع عما كان قد صرح به لابن الضحية الدكتور محمد نبيه بأنه حذر شقيقه محمد الدلوادي وهما يغادران مكتب الحاكم بجماعة سيدي العايدي (والله وطرات شي حاجة للحاج أحمد حتى تحصل ) وكررها ثلاثا. ومع أن الحاكم القتيل كان يعامل حسن الدلوادي بكل عطف وحنان وكان يسمح له بالتردد على ضيعته وأخذ ما يلزمه من مواد علفية ، كما أن الحاكم وزوجته وابنه زاروا حسن الدلوادي أياما قبل وقوع جريمة القتل للاطمئنان على صحته بعد تعرضه لحادثة سير، إلا أن كل هذا لم يشفع للحاكم المسن أمام قتلة قساة القلب لا تعرف الرحمة طريقا لقلوبهم. نحن أمام منظومة إجرامية يتعدد فيها الفاعلون وتتنوع فيها الأدوار المنوطة بكل واحد منهم، غايتها السطو على عقارات الغير بالتزوير ومحاولة طمسه حتى لو اقتضى الأمر اقتراف جريمة قتل.

 

الحلقة (12) : شهادة عبد الرحيم ميري

على خلاف ما جاء على لسان الإخوة الثلاثة محمد، مصطفى وحسن الدلوادي من أن علاقتهم بالحاكم الجماعي القتيل كانت عادية فإن كل القرائن والشهادات تؤكد أن علاقة الشقيق الأكبر محمد الدلوادي بأحمد نبيه لم تكن جيدة بالمرة بل كانت موسومة بالتوتر والتجاذبات بعد أن كشف الحاكم تزوير محمد الدلوادي لثلاثة عقود بيع بالفرنسية ومحاولة السطو على عقارات فلاحية في ملكية قريباته، وسبق للعشوي المختار في محضر الاستماع إليه أن أكد أن محمد الدلوادي قد أسر له بأنه يكن الحقد والضغينة للضحية أحمد نبيه جراء كشفه جريمة الزور واحتفاظه بوثائقها الثبوتية الشيء الذي كان يمثل مقصلة على رأس مقترف الزور قد تعصف به في كل لحظة وحين. تصريحات عبد الرحيم ميري صهر الضحية ذهبت في هذا الاتجاه وجاءت لتؤكد ما صرح به العشرات من الشهود كون الهالك أحمد نبيه لم تكن له سابق عداوة مع أي كان وحده مقترف الزور من كان يتربص به شرا بعد أن فضحه وكان يلقبه بزعيم المافيا ويتجنب لقاءه أو حتى مصافحته، إذ أكد عبد الرحيم ميري أن الحاكم الجماعي الهالك أطلعه على عدة وثائق كان يحتفظ بها تؤكد أن الدلوادي محمد متورط في عملية التزوير وأن الهالك كان ينوي تقديمها للعدالة، وأضاف المصرح أن أحمد نبيه كان ينعت محمد الدلوادي بزعيم المافيا ولم يكن موضع ثقته بخلاف باقي إخوته، وأضاف بأنه علم باكتشاف تلك الوثائق بالصندوق الحديدي للضحية وهي الوثائق التي استند عليها دفاع ضحية الزور لإدانة محمد اللوادي ابتدائيا بعقوبة حبسية وغرامة مالية. الوثائق المحررة بالفرنسية والتي جرى الحديث عنها على لسان عبد الرحيم ميري عبارة عن ثلاثة عقود بيع محررة بالفرنسية، طرفها الأول هن النسوة الثلاثة قريبات الحاكم فيما الطرف الثاني المشتري هو محمد الدلوادي، وهي الوثائق التي تمت سرقة نسخها من المحافظة العقارية ومكتب تصحيح الإمضاء بكل من جماعة سيدي العايدي وبلدية سطات وكذا من دار التسجيل لإقبار قضية الزور وطمس معالمها وبالتالي إفلات مقترفيها من المساءلة القانونية والقضائية، وهي العقود التي كان يحتفظ بها الحاكم، ومن أجل الحصول عليها زاره الشقيقان محمد وحسن أسابيع قبل مقتله. كما أنه من أجل معرفة مكان الاحتفاظ بها تمت معالجة الحاكم المسن ب33 طعنة غادرة في أنحاء مختلفة من جسده. وبخصوص مضمون تلك الوثائق استدعي محمد الدلوادي من قبل الشرطة القضائية بسطات وتم الاستماع إليه في محضر رسمي في نفس اليوم الذي اختطف فيه الحاكم الجماعي أي يوم 24 يوليوز 2000. محاولة الخلاص من أحمد نبيه تمت من ساعة اختطافه وعكستها الطريقة البشعة التي عذب بها، رجل كهل سنه حينها 77 سنة لم تشفع له عقوده الثمانية، وقد حرص مقترف الزور رغم خلافاته العميقة والمتجذرة مع القتيل على تسجيل حضور وازن بمسرح الجريمة، تابع عملية غسل سيارة الضحية من قبل رجال الوقاية المدنية ولم يحرك ساكنا رغم أنه صاحب تكوين أكاديمي ومدرك لأهمية الحفاظ على مسرح الجريمة لأخذ الأدلة التي تساعد على حلها، وتحول إلى الآمر الناهي بفضاء مستشفى الحسن الثاني رغم أن للضحية أحمد نبيه شقيق وأبناء هم الأولى بتولي القيام بكل الإجراءات الإدارية ذات الصلة. لكن أهم ما جاء على لسان عبد الرحيم ميري كشفه أن محمد الدلوادي توجه عنده شخصيا وعند شقيق الضحية محمد نبيه وحاول إقناعهما بالاعتراض على نقل جثة القتيل إلى مركز الطب الشرعي بالدار البيضاء وأوعز إليهما بالاعتراض على إجراء التشريح والاكتفاء بالإجراءات التي اتخذها الطاقم الطبي بمستشفى الحسن الثاني، لكن كلا من محمد نبيه وميري عبد الرحيم اعترضا على ذلك بشكل قاطع وراودتهما شكوك، إذ كيف يعقل أن يعترض طبيب صيدلي على إجراء التشريح الطبي علما بأن أي شخص ملم بأبجديات الطب يدرك الأهمية القصوى التي يلعبها التشريح الطبي في كشف ملابسات وساعة وقوع جريمة القتل، وعادة ما تعتمد تحقيقات الأمن والدرك على نتائج التشريح الطبي في تحقيقاتها للوصول إلى الجناة. بدى محمد الدلوادي كما جاء على لسان أكثر من مصرح في عجلة من أمره يود الخلاص من جثمان الضحية وكأن روح هذا الأخير تطارده. شكوك الصهر عبد الرحيم ميري امتدت لتشمل شقيق المشتبه فيه الأول والمسمى مصطفى الدلوادي والذي وإن كان حاول الظهور بمظهر الشخص المتماسك المتأثر عاطفيا بجريمة قتل عمه والذي ذرف دموعا ونتف لحية وجهه وشعره وأشرف على نصب خيام العزاء واستقبال المعزين، إلا أن المثير أن مصطفى الدلوادي ومن تلقاء نفسه شرع في سرد برنامجه ليومي 24 و25 يوليوز ذاكرا الأماكن التي تردد عليها والأشخاص الذين التقى بهم دون أن يكون أي شخص طلب منه ذلك، هذا التصرف حرك الشكوك والتي ستتأكد لاحقا مع ظهور الشاهد أحمد الراوي الذي شاهد مصطفى الدلوادي يفر من مسرح الجريمة ليلة 24 يوليوز 2000 وتضارب تصريحات مصطفى الدلوادي عن مكان تواجده ليلة الحادث والأشخاص الذين ادعى تواجده بمعيتهم، أشخاص كذبوا ذلك في كل مراحل التحقيق.

 

الحلقة (13) : ربط جريمة أحمد نبيه باختفاء أحد مستخدميه

في ظل التحقيقات التي كانت متواصلة على أكثر من مستوى بخصوص جريمة قتل الحاكم الجماعي لسيدي العايدي الفقيد أحمد نبيه، سيحيل رئيس الفرقة الجنائية الولائية بالمصلحة الولائية للشرطة القضائية بسطات على أنظار السيد الوكيل العام لدى محكمة الاستئناف مسطرة تهم اختفاء المسمى حميد هيسوف والذي كان يشتغل بمحل لبيع المواد العلفية لصاحبه أحمد نبيه المعروف بالوادي وهو المحل الكائن بسطات درب عمر زنقة مولاي أحمد، اختفى هذا المستخدم في ظروف غامضة سنة 1998 إذ كان متوجها من منزله بحي قيلز إلى المحل التجاري السالف الذكر وتقدمت أسرته لدى المصالح الأمنية المختصة حيث سجلت محضرا رسميا وتم تحرير مذكرة بحث لفائدة العائلة من قبل أمن سطات. 10 سنوات بعد ذلك سيتفاجأ رئيس الفرقة الجنائية الولائية ومساعده وهما يباشران عملهما داخل المصلحة بشخص يدعى مناصف الجيلالي تقدم منهما بصفة تلقائية، بخطى ثقيلة ونبرات صوتية يطبعها التلعثم والاضطراب الممزوجان بالخوف وأعرب لهما عن رغبته في البوح بسر اختفاء المسمى حميد هيسوف بعد أن خامره شعور بالذنب وأذكى فيه ضميره بعد تأنيب طويل، وأفاد أنه منذ 9 سنوات خلت وبينما كان يبحث عن ابنه ادريس مناصف في حدود الساعة 06.00 صباحا وعلى مستوى زقاق مؤدي إلى حي الملاح شاهد شخصا يمسك بشخص آخر ويتبادلان العنف والتشابك بالأيدي لينضم شخص ثان إلى الشخص الأول ويضع معطف على رأس الضحية كي يشل حركته وساقاه نحو سيارة بوجو 504 واقتاداه إلى وجهة مجهولة وأنهما بعد ذلك تقدما منه وادعيا بأن الشخص المختطف شقيق لهما يعاني من اضطرابات عقلية واضطرا إلى اصطحابه بالعنف لإيداعه بمستشفى الأمراض العقلية والنفسية ببرشيد لتلقي العلاجات الضرورية. ومع أنه كان يعرف هوية الشخص المختطف بأنه حميد هيسوف إلا أنه اضطر لمجاراتهما مخافة إلحاق الأذى به ولم يبلغ الشرطة بهذه الوقائع حينها خشية بطش الجناة خاصة وأنهما تعرفا على ابنته مونى مناصف واستفسراها عن اسمها العائلي ومقر إقامتها والعديد من المعلومات المرتبطة بعائلتها فيما يشبه رسالة التهديد المبطنة. وأعزى سبب تفكيره في التبليغ عن هذه الوقائع بعد طول هذه المدة إلى كونه قد انتهى إلى علمه أن فريقا من المحققين الأجانب قد قاموا باستخراج جثة الهالك المسمى قيد حياته أحمد الوادي الحاكم الجماعي لسيدي العايدي من لحده بأحد مقابر المدينة من أجل إجراء تحليلات بيولوجية عليه وهو ما جعل الخوف يتسرب إليه تحسبا لتحديد هوية الجناة الذين قد يكون الخاطفون لهم علاقة بمقتل الحاكم الجماعي على اعتبار أن الشخص المختطف حميد هيسوف كان يشتغل لحساب الحاكم الجماعي بمحله المعد بيع مواد العلف بزنقة مولاي احمد من جهة، ومن جهة ثانية كون أحد الخاطفين كان يتولى تنظيف سيارة رباعية الدفع تعود ملكيتها لأحد أشقاء صاحب صيدلية بسطات الكائنة مقابل البلدية، السيارة رباعية الدفع هاته من المحتمل أن تكون سيارة مصطفى الدلوادي الذي اعتاد ركن سيارته أمام صيدلية شقيقه حسن الدلوادي وقد يكون لكشف هوية الجناة أثر سيء عليه إذا ما اعترفوا بعملية الاختطاف والإقرار بكونه شاهدها عن كثب دون التبليغ عنها. في نفس الشهر تقدم المصرح مرة ثانية أمام المحققين وأكد أن أحد الخاطفين يوجد رهن الاعتقال بسجن عين علي مومن بسطات رفقة مجموعة من السائقين في إطار قضية إضراب قطاع النقل العمومي نجم عنها مقتل أحد الدركيين. عناصر الشرطة القضائية الولائية بسطات التقطت هذه المعلومة وربطت الاتصال بسجن عين علي مومن وحددت هوية الشخص المعني بالأمر فتبين أنه يدعى عيسى عاصم، من مواليد 1964 عرضت صورته الفوتوغرافية على الشاهد فتعرف عليه بدون تردد كونه أحد الخاطفين، كما عمقت الشرطة القضائية بسطات من أبحاثها ووصلت إلى تحديد هوية كل الأطراف المتورطة وتبين لها تطابق شهادة الشاهد من حيث التوقيت الزمني، مكان الاختطاف والملابس مع تصريحات عائلة المختفي فضلا عن إعطاء الشاهد لمعطيات دقيقة حول الخاطفين والمختطف.  وقد آثر رئيس الفرقة الجنائية الولائية إحالة هذا الإجراء المسطري على الوكيل العام، إذ من المرجح أن يكون ارتباط بين عملية اختطاف حميد هيسوف وجريمة مقتل الحاكم الجماعي لسيدي العايدي، وعلى ضوء ذلك تولت الشرطة القضائية تعميق البحث مع كل أطراف هذه القضية وتم توقيف الأشخاص الواردة أسماؤهم على لسان الشاهد، كما تم الانتقال إلى المركب السجني عكاشة بالدار البيضاء، حيث كان يقبع أحد المختطفين وحرر محضر استماع رسمي دون أن يصل المحققون إلى ما من شأنه المساعدة على فك لغز جريمة قتل الحاكم الجماعي، على أن ذلك لا يمنع من الجزم بوجود قواسم مشتركة ما بين جريمة اختطاف وقتل حميد هيسوف المستخدم وجريمة اختطاف وقتل أحمد نبيه المشغل.

 

الحلقة (14) : الاستعانة بالخبير الفرنسي فيليب اسبيرونزا

بعد أن تم طمس معالم جريمة قتل الحاكم الجماعي لسيدي العايدي الفقيد أحمد نبيه جراء التعجيل بغسل سيارة الضحية من نوع بيكوب والتي كانت مقصورتها تعج بآثار الجريمة الوحشية إذ وجد الضحية ممددا على الكرسي الأمامي للسيارة وقد تلقى 33 طعنة بالسكين وبيديه جروح تؤكد على أنه قاوم الجناة بشراسة رغم سنه المتقدم. ولكون الجاني قد واصل عملية القتل العمد من خلال نشر مقال بجريدة الأحداث المغربية يوحي بأن دوافع الجريمة انتقام لدواعي جنسية صرفة كما واصل القتل بإصداره مقال بجريدة الشفق المغربية تحت عنوان (المقاوم الخائن وترهات الابن الطامع) ، طعن من خلاله الضحية طعنات معنوية سامة تمس سمعته وتشكك في مساره النضالي كمقاوم ووطني وأحد الوجوه الفاعلة على مستوى الحقل الاجتماعي والاقتصادي والديني بجهة الشاوية بدليل الأثر البالغ الذي خلفه مقتله في نفوس الوطنيين وأبناء قبيلته ككل والذين نعوه في موكب جنائزي مهيب يترجم حجم الحب والوفاء اللذان كانت تكنهما الساكنة لوطني قح ضحى بالغالي والنفيس في سبيل استقلال المغرب ورفعته. أبناء الضحية لم يستسيغوا أن تتواصل جريمة القتل في حق والدهم وهذه المرة جهارا من خلال الخرجات الإعلامية المسمومة للمشتبه فيه الرئيسي والذي ظل وشركاؤه طلقاء أحرارا يصول ويجول وكأنه يؤكد للجميع أن يد القضاء مغلولة وليس بوسعها أن تطاله بعد أن تم غسل سيارة المجني عليه وإقبار كل الأدلة. ولأن حب أحمد نبيه متأصل في قلوب أبنائه الذين رباهم على الوفاء والإخلاص فقد سارع هؤلاء في إطار سابقة هي الأولى من نوعها إلى انتداب الخبير الفرنسي فيليب اسبيرونزا رئيس المعهد الجنائي بنانت فرنسا وذلك بعد أخذ ترخيص كتابي من السيد قاضي التحقيق رئيس الغرفة الأولى للتحقيق بمحكمة الاستئناف سطات ذ. الناصري وبتنسيق مع السيد الوكيل العام لدى استئنافية سطات وعهد إلى عناصر المركز القضائي للدرك الملكي التابع للقيادة الجهوية للدرك بسطات على إنجاز المتعين، حيث تم إخبار الجهات المنتدبة للحضور إلى عملية إخراج جثة خلال شهر مارس 2009، حيث تم تشكي لجنة متكونة من ممثل النيابة العامة لدى استئنافية سطات ذ. امحمد باسم، ممثل السلطة المحلية خليفة قائد المقاطعة الثانية لبام، عميد شرطة عن مركز الاستعلامات العامة إلى جانب ضابط للشرطة القضائية بولاية أمن سطات د. أبو الهدى عبد الرحيم والتقني المساعد له عن المصلحة الصحية البلدية بسطات، الدكاترة بني عيش هشام، السعدي عز الدين وبويمجان أمال عن مصلحة الطب الشرعي بالمستشفى الجامعي ابن رشد بالدار البيضاء، الدكتور فيليب اسبيرونزا عن المؤسسة العلمية والجنائية بنانت فرنسا، بالإضافة إلى د. محمد نبيه ابن الضحية وكذا أخ الهالك المسمى محمد نبيه بن سليمان، وبالحضور المستمر لكل هؤلاء تم الانتقال إلى مقبرة سيدي عبد الكريم بسطات حيث يوجد قبر الهالك وبوشرت عملية نبش القبر ومباشرة بعد ذلك شرع الدكتوران بني عيش هشام وفيليب اسبيرونزا بمساعدة باقي الدكاترة السالف ذكرهم في البحث عن أظافر يدي الهالك حيث التقطت جميعها من طرف الهيئة الطبية المكلفة بذلك ووضعت في أنابيب مختبرية، وبعد ذلك تم استخراج جثة الهالك من القبر بأمر من ذ. الناصري قاضي التحقيق ووضعت داخل كيس بلاستيكي مقوى أخضر اللون ليتم نقلها إلى مصلحة الطب الشرعي بالمستشفى الجامعي ابن رشد بالدار البيضاء ووضعت رهن إشارة الهيئة الطبية من أجل أخذ عينات من حمضها النووي. الخبير الفرنسي فيليب اسبيرونزا بمعية الطاقم الطبي المساعد له والقادم خصيصا من فرنسا انتقل بعد ذلك إلى منزل ابن الحاكم حيث تمت معاينة سيارة الحاكم الجماعي التي وجد مقتولا داخلها وتم إجراء مسح لها باعتماد معدات وتقنيات حديثة، كما تم رفع العديد من الآثار أحيلت على المختبرات المختصة وخلص الخبير الفرنسي في تقريره التفصيلي المرفوع إلى السيد قاضي التحقيق المكلف بالملف إلى أن غسل السيارة من قبل عناصر الوقاية المدنية أدى إلى إتلاف أدلة هامة على أن التقنيات المستحدثة التي لجأ إليها اسبيرونزا وطاقمه المساعد مكنت من كشف حمضيين نويين غير الحمض النووي للضحية وهما الحمضان اللذان تم وضعهما رهن إشارة البحث لمقارنتهما مع الحمض النووي لأي مشتبه فيه. وكان بوسع فريق عمل المختبر الجنائي بنانت أن يصل إلى معلومات متقدمة لو أن الاختبارات طالت السيارة رباعية الدفع في ملكية المشتبه فيه مصطفى الدلوادي والتي عمل على التخلص منها بمجرد الإفراج عنه من مقر الدرك، كما أن الأبحاث العلمية لو توسعت حينها لتشمل ضيعة أحد المشتبه فيهم والقريبة من مسرح الجريمة لمكنت من تحديد ظروف وملابسات تعذيب وقتل أحمد نبيه.

 

الحلقة (15) : إطلاق أول موقع على الأنترنت يعرف بالجريمة

لم تحظى أية جريمة قتل حق عام بالمغرب بمتابعة إعلامية مكثفة مثلما حظيت به جريمة قتل الحاكم الجماعي لسيدي العايدي الفقيد أحمد نبيه، من سنة 2000 وإلى حدود 2023 وعلى مدار 23 سنة صدرت المئات من المقالات الصحفية بمختلف الصحف الوطنية مستقلة كانت أو حزبية وعلى اختلاف مشاربها السياسية وباللغتين العربية والفرنسية وسواء تعلق الأمر بالصحف الورقية أو الإلكترونية وبأقلام صحفيين متمرسين يقام لهم ولا يقعد عكفوا على تناول تفاصيل جريمة مفجعة أدمت قلوب وعيون كل من تابع تفاصيلها عن قرب لبشاعتها ولقسوة قلوب منفذيها وتجردهم من الإنسانية ولكون الدافع وراء الجريمة واضح للعيان، إنه الانتقام وإخراس صوت الحق صوت الحاكم الجماعي الذي دافع عن 3 نسوة كبيرات في السن وأميات حاول مقترف الزور سلبهن عقارات فلاحية باعتماد التزوير، تصدى الحاكم لمقترف الزور ورفض الرضوخ لوعيده وتهديده فدفع حياته نصرة للحق. أسماء وازنة في عالم الصحافة ذيلت مقالاتها بالتساؤل عن السر في عدم تحقيق العدالة والقصاص من الجناة وإعادة الاعتبار لروح الضحية واستتباب الشعور بالعدل في نفوس المغاربة ككل رغم مرور سنوات على وقوع الجريمة، فمن قتل حاكم سيدي العايدي فكأنما قتل الناس جميعا. تحولت تفاصيل الجريمة إلى سيناريو مشوق صدر على شكل حلقات بكبريات الجرائد الوطنية شغل القراء لأسابيع متتالية وجعلهم يعيشون تفاصيل الجريمة المؤلمة يتجرعون قساوتها ويقاسون ما قاسته ولاتزال الأسرة المكلومة للقتيل أحمد نبيه بكل من جريدة الصباح، جريدة المساء، جريدة الأخبار، جريدة الأسبوع الصحفي، جريدة الاتحاد الاشتراكي، جريدة بيان اليوم، جريدة الصحراء المغربية، جريدة النهار المغربية...، صدرت سلسلات مشوقة حققت أرقام قياسية في المتابعة والقراءة وسلطت الضوء على جوانب خفية في جريمة تأبى النسيان وإن كان القتلة قد راهنوا على عامل الزمن لإسقاطها في عالم النسيان، وليتسنى لهم الإفلات من المساءلة. على المواقع الإلكترونية كذلك تمت متابعة مجريات البحث وأطوار المحاكمة وما صاحبها من خرجات إعلامية مخدومة لمقترف الزور والمتهم في القتل والذي حاول بكل ما أوتي من قوة أن يشتت أنظار المتابعين وأن يسوقهم إلى متاهات مظلمة حتى يصرف نظرهم عن الحقيقة الثابتة وهي أن مقترف الزور هو ذاته مقترف القتل وأن العلاقة بين الجريمتين وطيدة، فلولا الزور لما كان القتل. ولتوثيق هذا النضال الإعلامي الذي كان يخوضه الشرفاء من حقوقيين ومعارف الضحية أحمد نبيه والذي كان يتسم بالشراسة على اعتبار أن الطرف الآخر كان لا يتردد من خلال خرجاته الإعلامية في توجيه سهامه صوب أكثر من جهة بدون أي دليل أو حجة، فقد أثمر مجهود الشرفاء عن إطلاق أول موقع على شبكة الأنترنت يعرف بجريمة قتل أحمد نبيه ويقدم للمتتبع كل الوثائق الضرورية الرسمية بما فيها محاضر الدرك الملكي، محاضر الفرقة الوطنية للشرطة القضائية، الأبحاث التكميلية للنيابة العامة بخصوص جريمة القتل، البحث التفصيلي لقضاة التحقيق الذين تولوا التحقيق في الجريمة كما يمد الموقع الزائر بتفاصيل جريمة الزور التي تسببت في القتل، يكشف للزائر كافة الطرق الملتوية التي لجأ إليها مقترف الزور للاستحواذ على عقارات قريباته. ضمن الموقع www.assassinat.info بإمكان المتصفح أن يطالع كل قصاصات وسائل الإعلام الورقية والإلكترونية التي صدرت منذ سنة 2000 تاريخ الجريمة حتى سنة 2023 تاريخ عرض القضية على الغرفة الجنائية الاستئنافية بسطات، كل سنة على حدة. وإعمالا لمبدأ الرأي والرأي الآخر يتيح الموقع للمتصفح متابعة الخرجات الإعلامية المسمومة لمقترف الزور والمتهم بالقتل، وهي أشرطة تتقطر سما وتعكس حجم الحقد والكراهية التي يكنها للمجني عليه، كما يتيح الموقع فرصة تتبع المحاكمة الجارية في طورها الاستئنافي ويتفاعل مع آراء المواطنين من خلال فسح المجال أمامهم لإبداء تعليقاتهم. رغم المحاولات المتكررة لمقترف الزور والمتهم في القتل، لضرب هذا الموقع فإنه فشل في ذلك رغم استعانته بخيرة القراصنة دون جدوى لكون الموقع مسجل بالخارج وتتولى أكثر من شركة عملية تحيين معطياته وتتبعه، كما فشل مقترف الزور والمتهم بالقتل في ربح معارك قانونية خاضها لاستصدار حكم قضائي بوقف الموقع الذي تحول إلى ما يشبه الكابوس يقض مضجعه ويكشف جرائمه. 

 

الحلقة (16) : هكذا حاول مقترف الزور الإفلات من المساءلة الجزء الأول

على نار هادئة طبخ مقترف الزور عملية السطو على عقارات فلاحية ضواحي سيدي العايدي في ملكية قريبات له أميات ومسنات، راهن المزور على عامل السن حتى إذا ما فارقت النسوة الثلاثة الحياة تقدم من ورثتهم بعقود البيع المزورة وتسنى له الاستحواذ على العقارات دون أن ينازعه في ذلك أي كان. لكن القدرة الربانية شاءت أن تفتضح عملية الزور، عندما توصلت إحدى النسوة الثلاثة مكرم خدوج بإشعار من مصلحة الضرائب يطالبها بأداء مبلغ مالي، استغربت المرأة لأمر الإشعار إذ لم تجر أية معاملة تجارية أو بيع يترتب عنه أداء مستحقات ضريبية. ولأن المرأة طاعنة في السن غير مُخبِّرَةٍ لأمور الإدارة وتشعباتها فقد استنجدت بالحاكم الجماعي الفقيد أحمد نبيه والذي بمجرد ما استلم الإشعار حتى بادر بالسؤال: (هل بعت مؤخرا أي عقار؟) أجابت مكرم خدوج بالنفي. فقرر الحاكم مرافقتها إلى مصلحة الضرائب وعند استفسار الموظف المسؤول أكد للإثنين أن مكرم خدوج ملزمة بأداء ضريبة المرابحة عن عقارها الذي باعته ضواحي سيدي العايدي. كاد أن يغمى على المرأة من هول الصدمة فهي لم تبع عقارها لأي كان ولم تتسلم أية مبالغ مالية حتى تؤدي عنها ضريبة المرابحة. هدأ أحمد نبيه من روع قريبته المصدومة، شد أزرها وطمأنها على أنه سيبحث في الأمر لتبين تفاصيله إذ من الوارد أن يكون هناك خطأ إداري ما. وبمراجعة المحافظة العقارية ودار التسجيل كانت المفاجأة الكبرى، هناك عقود بيع محررة بالفرنسية توثق لعملية البيع والتي لا تخص مكرم خدوج وحدها بل كلا من مكرم فاطنة والزاهيدي مريم ومفاد العقود أنهن بعن حقوقهن في العقارات الفلاحية للمدعو محمد الدلوادي، والعقود مصادق على إمضائها بجماعة سيدي العايدي بالنسبة للبائعات الثلاثة، أما المشتري فقد صادق على توقيعه على العقود بقسم المصادقة على العقود ببلدية سطات، حصل الحاكم الجماعي على نظير العقود الثلاثة المزورة ورافق مكرم خدوج لدى محام حرر شكاية من أجل التزوير أحيلت على النيابة العامة التي أشرت عليها وأحالتها بدورها على الجهة المختصة بالبحث، ما إن بلغ اكتشاف عملية التزوير إلى محمد الدلوادي حتى شرع في البحث عن تخريجة قانونية للمداراة على العملية مخافة أن تقود إلى اكتشاف عمليات تزوير أخرى قد يكون تورط فيها وضحاياها في دار غفلون لا يعلمون بشأنها أي شيء. ولأن للرجل باعا في قضايا التزوير تعكسه عدد القضايا المتابع فيها كمدعى عليه والمعروضة في مجملها على القضاء بسطات فقد فكر وقدر ثم فكر وقدر فتفتقت عبقريته في مجال التزوير على إعمال مبدأ (ضربني وبكى سبقني وشكى) لهذا قرر أن يتحول من مدعى عليه إلى مدعي وأن يقدم نفسه على أنه ضحية طرف ثالث إنه اللهو الخفي ، استغل ثقته وطيبوبته وعرض عليه اقتناء العقارات موضوع التزوير، والطرف الثالث هذا هو من زور العقود وصادق على إمضاءاتها وأدى كل الرسوم المتعلقة بها بل صرف حتى مبالغ البيع المؤداة على شكل شيكات بنكية ، وبعد أن أوشكت عملية التزوير على نهايتها سرق العقود المزورة وبسرقة هذه العقود تكون جريمة التزوير وكأنها لم تتم، ومن ثم فلا ضَرَرَ ولا ضِرَار وخيرها كما يقول إخواننا المصريون في غيرها (وربنا يْعَوَّضْ على المُزوِّر في عملية أخرى تكون ناجحة وتتم في سرية تامة دون أن يفتضح أمرها). لكن من يا ترى سيقبل بلعب دور (الطرف الثالث) حتى تكون القصة محبوكة بإتقان وتنطلي الحيلة على القضاء وعلى ضحايا الزور وحتى يتحول المزور من جاني إلى مجني عليه. مرة أخرى فكر مدبر الزور ثم قدر ثم فكر كيف قدر فلم يجد غير العشوي المختار شخص بلا ذمة له خلفية إجرامية، رد سجون هو ابن إحدى ضحايا الزور وإذا ما قبل أن يلعب الدور فسوف تكلل العملية بنجاح. عائق ثان أمام نجاح العملية يتمثل في كون مقترف الزور لا يمكن أن يتقدم بشكواه لوحده وإلا فإنها ستكون مردودة إذ تعتبر هروبا إلى الأمام، ومن ثم وجب إيجاد من يقبل الاشتراك في هذه المسرحية المهزلة. أعاد مقترف الزور التفكير للمرة الثالثة فاهتدى للمسماة الزاهيدي مريم لكن كيف السبيل لإقناعها بالمشاركة في هذه المسرحية الهزلية، هذا ما سنكتشفه في الجزء الثاني من مسلك المزور للإفلات من المساءلة.

 

الحلقة (17) : هكذا حاول مقترف الزور الإفلات من المساءلة الجزء الثاني

رأينا في الجزء الأول كيف اكتشفت مكريم خدوج تزوير عقد بيع باسمها لعقار فلاحي في ملكيتها ضواحي سيدي العايدي، كما اكتشفت تزوير توقيعها على العقد بمركز تصحيح الإمضاءات بجماعة سيدي العايدي، فاستنجدت بالحاكم الجماعي لمؤازرتها في مواجهة مقترف الزور، هذا الأخير تفتقت عبقريته الإجرامية عن حل يخوله الخلاص من المسؤولية القانونية والقضائية ويحوله من جاني إلى ضحية فقد تقدم بشكاية رفقة مريم الزاهيدي في مواجهة العشوي المختار الذي قبل بأن يلعب دور الكومبارس بعد أن تلقى كل التطمينات بأن أي مكروه لن يلحق به وأن مآل الشكاية هو الحفظ، لكن كيف السبيل إلى إقناع مريم الزاهيدي بالاشتراك في هذه المسرحية الهزلية، المرأة أمية ومسنة ولا علم لها بدهاليز القضاء ومساراته المتشعبة، لم يَعْدَمْ مقترف الزور الحيلة شد أزره بأخيه حسن الدلوادي وتوجها معا عند الزاهيدي مريم أقنعاها بأن لها مبلغا ماليا محترما محفوظ لدى جماعة سيدي العايدي نظير بيع نصيبها من الإرث في أرض وأن عليها توقيع مجموعة من الأوراق للحصول على المبلغ المالي لكن المرأة فاجأت الاثنين أنه ليس بحوزتها بطاقة التعريف الوطنية وهنا المشكل ؟ عرض عليها الأخوين إنجاز الوثائق الضرورية والتقدم لمصلحة التشخيص والبطائق التابعة للأمن الإقليمي لإنجاز بطاقة التعريف الوطنية وهو ما تم بالفعل. وبكل حسن نية وعفوية التقت المدعو حسن الدلوادي اصطحبها لقصر بلدية سطات وهناك وقعت على مجموعة من الوثائق التي تجهل مضمونها، بعد ذلك تم اصطحابها إلى دائرة أمنية وبحضور أحد الشقيقين وفي لمح البصر أنجز لها محضر استماع لم تعلم بخصوص فحواه أي شيء سوى ما يتعلق بهويتها الشخصية، ستتفاجأ مريم الزاهيدي بعد ذلك بأنه ليست هناك أية مبالغ مالية باسمها وأنه تم استغلالها لتقديم شكاية ضد العشوي المختار بتهمة التزوير، لا علم للمرأة بأي تزوير ولا بموضوع الشكاية المقدمة باسمها بل هي ضحية لمافيا تزوير، ومن ثم فإن توصيف (زعيم المافيا) الذي كان يصف به الحاكم الجماعي محمد الدلوادي لم يأتي من فراغ بل لأن الحاكم القتيل كان يدرك خطورة المجرم وتمرسه في الأعمال الإجرامية لهذا لم يكن يثق فيه بالمرة بل كان يتوجس منه دوما خيفة. فوجئت الزاهيدي مريم بشكاية مرفوع باسمها واسم محمد الدلوادي ضد العشوي المختار تتهمه ببيع نصيب زوجها مكريم محمد بن عمر في الرسوم العقارية موضوع تزوير بمبلغ 400.000,00 درهم وإذا ما راجعنا نص الشكاية المرفوعة باسم كل من محمد الدلوادي والزاهيدي مريم نجد أنها ترقى لمستوى السيناريو السينمائي المحبوك بدقة إذ ادعى مقترف الزور أنه سبق له وأن أقرض العشوي المختار وأمه فاطنة مكرم مبلغ 20.000 درهم سنة 1992 عجزا عن رده في أجله فعرضا عليه شراء نصيبهما في الرسوم العقارية عدد 792، 793، 794، 795 بثمن 550.000 درهم، تم إعداد عقد عرفي صححت البائعة توقيعها عليه بجماعة سيدي العايدي وصحح الدلوادي محمد إمضاءه ببلدية سطات. بعد ذلك عرض عليه العشوي المختار شراء واجب مريم الزاهيدي أرملة مريم محمد في الرسوم العقارية السالفة الذكر والرسمين 475 و476 بثمن 400.000 درهم وصححت البائعة توقيعها بجماعة سيدي العايدي فيما صحح المشتري توقيعه بجماعة سطات، وهذا يدعو لطرح سؤال عريض لماذا يحرص المشتري دوما رغم اختلاف تواريخ تصحيح الإمضاءات على تصحيح إمضائه بالجماعة الحضرية لسطات دون جماعة سيدي العايدي التي يتواجد بها دوما بحكم منصبه كنائب لرئيس الجماعة، هل ذلك لدرء التهمة عنه ؟ مقترف الزور استطرد في شكايته وأكد أنه وضع أصول العقود مع عقد بيع مماثل يتعلق بمكريم خدوج بصندوق سيارته نوع مرسيديس 250 وبتاريخ 02/12/1994 توجه إلى المحافظة العقارية ولما فتح الصندوق الخلفي للسيارة لأخذ محفظته التي تحتوي على أصول الوثائق المتعلقة بالأشرية لتسجيلها بالمحافظة فوجئ بعدم وجودها، فأدلى بتصريح بضياعها لدى الدائرة الأولى بسطات. لكن تستوقفنا هنا ملاحظة بالغة الأهمية ، فحسب التصريح بالشرف الخاص بضياع الوثائق المتعلقة بالبيوعات يؤكد الدلوادي محمد للشرطة في تصريح الضياع أن الوثائق ضاعت منه في ظروف يجهلها وهذا على مسؤوليته القانونية، لكن في نص الشكاية المرفوعة للنيابة العام يصرح بأن العشوي المختار هو من سرق المحفظة التي بها عقود البيع، بعد أن كان قد استلف منه سيارته لقضاء بعض مآربه، أي أن مقترف الزور قد كذب في تصريحه بالضياع مما يضعه تحت طائلة المساءلة. سيناريو محاولته طمس معالم جريمة الزور لن يقف عند هذا الحد بل إن الدلوادي محمد حصل من دار التسجيل على نظائر البيوعات ولما توجه إلى قيادة مزامزة للحصول على نظائر الملك العائلي اكتشف بقدرة قادر أن شواهد الملك العائلي التي أسست عليها بيوعات مزورة والأرقام المضمنة بها لا تتطابق وتلك الخاصة بسجل شواهد الملك العائلي الممسك من قبل القيادة. ليس هذا فحسب بل اكتشف بعد مراجعته مصلحة تصحيح الإمضاءات بجماعة سيدي العايدي أن العشوي المختار هو من أحضر والدته وامرأتين بصمتا في خانة التوقيعات بمصلحة تصحيح الإمضاءات ولما اتصل محمد الدلوادي بالزاهيدي مريم أنكرت علمها بالبيع أو المصادقة عليه لكونها لا تتوفر على بطاقة تعريف وطنية.

 

الحلقة (18) : هكذا حاول مقترف الزور الإفلات من المساءلة الجزء 3 ـ العشوي المختار يكشف المستور

يعجز العقل والمنطق السليم عن تصديق سيناريو مقترف الزور الذي سطره للإفلات من العقاب بعد أن افتضح أمر تزويره لثلاثة عقود بيع للاستحواذ على عقارات 3 من قريباته أميات ومسنات يجهلن القراءة والكتابة وقعن بقدرة قادر على عقود البيع وصادقن عليها بجماعة سيدي العايدي، وهي العقود التي تم تسجيلها بدار التسجيل بسطات وتم دفع كل الرسوم الخاصة بذلك. إلا أنه بعد أن كشف الحاكم الفقيد أحمد نبيه عملية التزوير واصطحب إحدى ضحاياها مكريم خدوج عند المحامي الأستاذ الشروقي ورفع شكاية في الموضوع تفتقت عبقرية مقترف الزور عن سيناريو محبوك يحوله من جاني إلى مجني عليه. لكن تراتبية الأحداث الواردة في السيناريو غير مقبولة منطقا، ثم إن المشتكية مريم الزاهيدي لا علم لها بأمر الشكاية، وهي كما يقول إخواننا المصريون: (كالأطرش في الزفة) لا تعلم ما يجري حولها ويدور تم استغلال حاجتها وفاقتها من قبل الأخوين حسن ومحمد الدلوادي بأن أوهماها أن لها نصيبا من الإرث تلزمها البطاقة الوطنية لاستخلاصه، ولما أنجزت بطاقة الهوية اصطحبها حسن الدلوادي لبلدية سطات حيث وقعت على مجموعة من الوثائق تجهل مضمونها كما وقعت بدائرة أمنية على محضر استماع تجهل فحواه، ووجدت نفسها أمام القضاء تقاضي العشوي المختار الذي لم تقابله منذ سنوات خلت. على ضوء الشكاية المرفوعة للنيابة العامة تولت الشرطة القضائية الاستماع للمشتكى به العشوي المختار أكد في محضر الاستماع إليه أنه عمل بصيدلية المشتكي وهو قريب له، إنه ربيب والدته وقد سبق لوالدته مكريم فاطنة أن باعت للمشتكي السدس الذي ورثته عن ابنتها فاطنة الدلوادي وأنكر أن يكون قد اتصل بالمشتكي وعرض عليه شراء نصيب والدته أو خالته مكريم خدوج وزوجة خاله الزاهيدي مريم، كما أنكر أن يكون قد هيأ أية وثائق تتعلق بتلك البيوعات وكل ادعاءات المشتكي لا أساس لها من الصحة كما أنكر أن يكون قد اقترف أية سرقة من سيارة المشتكي وخلص إلى أن محمد الدلوادي هو من قام بعملية التزوير وأن والدته وخالته وزوجة خاله قد تقدموا بشكاية بهذا الخصوص، أما بخصوص الشيكات البنكية التي ادعى المشتكي محمد الدلوادي أنه سلمها للعشوي المختار كتسبيق مالي عن البيوعات فأكد أنه إذا كان قد استخلصها فإن ذلك يندرج في إطار عمله المسبق بصيدلية المشتكي الذي كان يوفده للبنك لاستخلاص الشيكات وإنجاز المعاملات المالية. وبخصوص ما جاء على لسان محمد الجمري رئيس مصلحة تصحيح الإمضاءات بجماعة سيدي العايدي من كون العشوي المختار قد رافق والدته وامرأتين وصادق على عقود البيع بالجماعة فقد اعتبر هذا التصريح كذبا وافتراء مضيفا أنه لو أراد المصادقة على الإمضاءات لفعل ذلك بالدار البيضاء أو لكلف موثقا بإنجاز المتعين دون تكبيد النسوة الثلاث المسنات عناء التنقل لجماعة سيدي العايدي النائية والبعيدة عن مقر إقامتهن مؤكدا مرة أخرى أن محمد الدلوادي هو من اقترف الزور وحاول درء التهمة عنه برفع شكاية ضده باعتباره كبش فداء. ذات التصريحات تشبث بها العشوي المختار أثناء الاستماع إليه تفصيليا من قبل السيد قاضي التحقيق بالغرفة الأولى ذ. بوشعيب العسال مجددا التأكيد على أن المشتكي محمد الدلوادي هو من اقترف التزوير وأن الشكاية المنظورة من قبل قاضي التحقيق هروب إلى الإمام ومحاولة لدفع التهمة عن المزور كما أعرب عن استعداده لمواجهة محمد الجمري رئيس مصلحة تصحيح الإمضاءات بجماعة سيدي العايدي جازما بأنه لم يحضر أية عملية مصادقة على الإمضاءات ولم يرافق النسوة الثلاثة الموقعات على عقود البيع المصححة. ولأنه تعذر الاستماع تفصيليا لمكريم فاطنة التي وافتها المنية حينها، كما أن مكريم خدوج أنكرت أن تكون قد باعت أية حقوق لها أو رافقت العشوي المختار للمصادقة على توقيعها على أي عقد بيع مزعوم ولأنه لم يتم الاستماع للمشتكية الزاهيدي مريم رغم أنها طرف رئيسي في الدعوى فقد قرر قاضي التحقيق بعدم متابعة العشوي المختار من أجل المنسوب إليه وحفظ الملف إعمالا للفصل 196 من قانون المسطرة الجنائية في إطار الملف عدد 56/96 . نحن أمام مسرحية هزلية ضعيفة الإخراج ركيكة السيناريو غايتها بارزة للعيان دفع التهمة عن مقترف الزور محمد الدلوادي، لكن الآتي من الأيام سيكشف أن رياح العدل ستجري بخلاف ما يشتهيه قائد سفينة الزور، فالحاكم الجماعي الفقيد أحمد نبيه لم تنطل عليه حيلة الشكاية المحالة على قاضي التحقيق والتي استغلت كغطاء قانوني لإقبار شكاية ضحية الزور مكريم خدوج بضمها إلى الشكاية المحالة على ذ. العسال قاضي التحقيق والتي قضى بخصوصها بالحفظ. لهذا آزر الحاكم الجماعي مرة أخرى مكريم خدوج التي أعادت تقديم شكاية ضد الدلوادي محمد ملتمسة إخراج شكايتها من الحفظ ومساءلة مقترف الزور عن جرائمه لتطفو قضية الزور من جديد.

 

الحلقة (19) : قضية الزور تطفو على السطح من جديد

خاب ظن مقترف الزور محمد الدلوادي عندما ظن بأنه دفع تهمة التزوير عنه بشكايته المرفوعة رفقة مريم الزاهيدي دون علمها ضد العشوي المختار والتي حفظها قاضي التحقيق بالغرفة الأولى للتحقيق باستئنافية سطات ذ. بوشعيب العسال. بالكاد تنفس مقترف الزور الصعداء حتى فوجئ بشكاية جديدة من قبل الضحية مكريم خدوج تروم إخراج شكايتها من الحفظ والنظر فيها من جديد. جُنَّ جنون محمد الدلوادي فها هو يجد نفسه من جديد في مواجهة اتهامات ثقيلة قد تكون عواقبها وخيمة على مستقبله السياسي الذي بدأه بعضوية جماعة سيدي العايدي ثم نائبا لرئيس الجماعة فضلا عن منصبه ضمن نقابة الصيادلة وكان طموحه حينها أكبر لتسلق مجد الهرم السياسي والظفر بمناصب نيابية وتمثيلية عليا. لكن كيف تأتى لقضية الزور أن تطفو على السطح من جديد رغم أن العقود المزورة قد اختفت من المحافظة العقارية ودار التسجيل وبذلك تم محو كل آثار الجريمة ؟ وحده الحاكم الجماعي الفقيد أحمد نبيه كان يحتفظ بنسخ من العقود المزورة وهي الحجة الوحيدة التي لا تزال بحوزة مكريم خدروج لمقاضاة مقترف الزور فكيف السبيل للوصول إلى تلك الوثائق ؟ جرب محمد الدلوادي مقترف الزور أسلوب المحاباة والتودد، أوفد شقيقه حسن الدلوادي عن ضحية الزور مكريم خدوج وحاول إقناعها بالعدول عن مقاضاة شقيقه مادامت العقارات موضوع التزوير بحوزتها ولم يطلها أي ضرر، لكن المرأة رفضت التنازل وأصرت على المتابعة، استغرب حسن الدلوادي لهذا الإصرار، رغم أن المرأة مسنة وأمية وغير ملمة بأمور القضاء، لكنها تستمد قوتها وإيمانها الراسخ من سندها إنه الحاكم الجماعي الذي أقنعها بعدم التنازل والمضي قدما في المسار القانوني حتى يأخذ العدل مجراه ويتم تقديم مقترف الزور للمحاكمة لينال جزاءه العادل. تبين للشقيقين محمد وحسن الدلوادي أنه لا سبيل لثني مكريم خدوج عن مقاضاة مقترف الزور، وأنه يتعين إيجاد حل جذري من خلال إيجاد تسوية مع الحاكم الجماعي وإقناعه بالعدول عن مساندة ضحية الزور، مرة أخرى سيستنجد محمد الدلوادي بشقيقه حسن الذي كان موضع ثقة الحاكم، وسيذهب الاثنان لمقابلة أحمد نبيه صباح يوم خميس المصادف لانعقاد السوق الأسبوعي بمقر عمله بجماعة سيدي العايدي وسيحاولان بكل السبل عن طريق التودد والتوسل إقناعه بالعدول عن مساندة مكريم خدوج في شكايتها ضد محمد الدلوادي، لكن الحاكم الجماعي الذي كان لا يخشى في الله لومة لائم أصر على أن تأخذ القضية مسارها القانوني، الشيء الذي أثار سخط واستياء مقترف الزور، أرعد هذا الأخير وأزبد وهدد وتوعد ووصل صدى وعيده رئيس جماعة سيدي العايدي بمكتبه، ورغم أن لقاء الشقيقين بالحاكم الجماعي امتد ل3 ساعات متواصلة فإنهما لم ينجحا في إقناع أحمد نبيه بالعدول عن موقفه، لهذا غادرا مكتبه وهما يجران ذيول الخيبة وهناك خاطب حسن الدلوادي شقيقه محمد محذرا إياه (والله وطرات شي حاجة للحاج أحمد حتى تحصل ـ وكررها ثلاثا) دليلا ساطعا على أن حسن الدلوادي قد استشف من أخيه محمد الدلوادي سوء النية المبيتة في مواجهة الحاكم الجماعي، فقضية الزور التي فضحها الحاكم كانت ستعصف بالمستقبل السياسي لمحمد الدلوادي وستزج به وراء القضبان وإن كان لم يدخر جهدا في سبيل إقبارها من خلال إتلافه لكل معالم الجريمة بما فيها سرقة أصول عقود البيع المزورة المحررة بالفرنسية من المحافظة العقارية بسطات، حيث وجد محافظ الأملاك العقارية نفسه في حيص بيص جراء اختفاء هذه العقود في ظروف غامضة دون أن تنجح الأبحاث الإدارية المنجزة عن كشف ملابساتها بما يؤكد أن مافيا التزوير لها يد طائلة استطاعت الوصول إلى قلب المحافظة العقارية بسطات وسرقت وثائق ممسوكة، وقد سارع دفاع ضحية الزور مكريم خدوج ذ. الشروقي إلى مراسلة محافظ الأملاك العقارية بسطات ورئيس المحافظة العقارية بالرباط بخصوص واقعة اختفاء الوثائق إلا أن مراسلاته ظلت بدون جواب. بعد فشل كل المحاولات الودية لإقناع الحاكم الجماعي بالعدول عن مساندته لضحية الزور ومع اقتراب أجل الاستماع إلى مقترف الزور محمد الدلوادي من قبل الشرطة القضائية بسطات والمحدد يوم 24 يوليوز 2000 كان من الضروري إيجاد حل بديل لم يكن هذا الحل سوى اختفاء الحاكم الجماعي احمد نبيه مساء يوم 24 يوليوز 2000 وهو في طريق عودته من ضيعته ضواحي سيدي العايدي صوب منزله بحي السماعلة سطات، اختفاء مفاجئ ليس له من مبرر سوى الرغبة في إقبار عملية الزور بشكل نهائي بإسكات صوت الحق المساند لضحاياها.

 

الحلقة (20) : المركز القضائي للدرك الملكي بسطات يكشف خيوط جريمة التزوير

بعد أن تعذر إقناع الحاكم الجماعي لسيدي العايدي الفقيد أحمد نبيه بالكف عن مساندة مكريم خدوج ضحية التزوير، اختطف الحاكم ليلة 24 يوليوز 2000 عذب بشكل وحشي وقتل ليعثر عليه جثة هامدة مضرجا في دمائه صباح يوم 25 يوليوز بمسلك ترابي جانبي ضواحي سيدي العايدي، إفادات كل الشهود والمصرحين ذهبت إلى ارتباط عملية القتل بجريمة التزوير التي كشفها الحاكم الجماعي إبان حياته وساند ضحيتها وساعد اكتشاف أصول عقود البيع المزورة المحررة بالفرنسية في صندوق حديدي للمجني عليه أحمد نبيه بعد مقتله في مساعدة المحققين، حيث تولى المركز القضائي للدرك الملكي بسطات الذي كان يرأسه حينها واحد من خيرة ضباط الشرطة القضائية امحمد الوراق وهو ضابط كفء سبق وأن أشرف على العديد من الملفات الشائكة وساعد في حل لغزها بفضل خبرته ومراسه المهني. وبالرجوع إلى محضر البحث التمهيدي بخصوص قضية التزوير استطاع محققو الدرك الوقوف على العديد من المعطيات بالغة الأهمية التي أغفلها تحقيق الشرطة القضائية لسطات على ضوء الشكاية المخدومة التي كان قد تقدم بها كل من محمد الدلوادي ومريم الزاهيدي ـ دون علمها ـ ضد العشوي المختار، والتي أحيلت على قاضي التحقيق ذ. بوشعيب العسال رئيس الغرفة الأولى للتحقيق باستئنافية سطات وكان مصيرها الحفظ. حيث اكتشف محققو الدرك بعد مراجعتهم لسجلات تصحيح الإمضاءات بجماعة سيدي العايدي ومقارنة أرقام البطائق الوطنية المضمنة بها بتلك المدونة بعقود البيع الثلاثة المزورة والتي اكتشفتها أسرة الضحية أحمد نبيه وسلمتها للمحققين، وبمراجعة الناظمة الإلكترونية الخاصة بالبطائق الوطنية الممسوكة من قبل الإدارة العامة للأمن الوطني تأكد أن البطاقة الوطنية عدد W25220 في اسم مريم الزاهيدي تعود في الأصل للمسمى أحمد لصفر، كما أن البطاقة الوطنية B760233 في اسم مكريم خدوج تعود في الأصل لمحمد العباد، عملية التزوير لم تطل فقط بطائق التعريف الوطنية بل تبين أن شواهد الملك العائلي التي أسست عليها البيوعات كلها مزورة، بعضها تشير أرقامه التراتبية إلى أشخاص آخرين في حين أن بعضها الآخر غير موجود أصلا في السجلات الممسكة من قبل قيادة المزامزة. محققو الدرك الملكي الذين كانوا مسكونين بهاجس فك لغز جريمة الزور باعتباره مفتاح لحل لغز جريمة قتل الحاكم الجماعي لسيدي العايدي أحمد نبيه لترابط الجريمتين اكتشفوا أن التزوير طال كذلك شهادة بنكية مسلمة من قبل مدير وكالة بنكية بالدار البيضاء كان لمقترف الزور حساب جاري بها، كما أن امتدادات مافيا التزوير طالت كذلك سحوبات بنكية من خلال صرف شيكات بنكية في اسم الغير لغير من له الصفة في صرفها، إذ أن مقترف الزور ولدرء التهمة عنه كان قد حرر مجموعة من الشيكات في اسم البائعات مكريم خدوج، مكريم فاطنة والزاهيدي مريم وادعى أنه دفعها مقابل عملية الشراء، إلا أنه بعد مراجعة الكشوفات البنكية تبين أن بعض هذه الشيكات قد سحبها مقترف الزور بنفسه رغم أنها محررة في اسم الغير وبعضها الآخر صرفها شخص مجهول دون أن تكون له الصفة والصلاحية لصرفها بما يمثل مخالفة صريحة للقواعد القانونية التي تحكم المعاملات البنكية وهذا مؤشر على خطورة مافيا التزوير. أما فيما يخص محمد الجمري رئيس مصلحة تصحيح الإمضاءات بجماعة سيدي العايدي والذي كان قد ادعى أمام الشرطة القضائية بسطات أن العشوي المختار قد رافق والدته مكريم فاطنة وخالته مكريم خدوج وزوجة خاله الزاهيدي مريم إلى جماعة سيدي العايدي، وبصمن بسجل تصحيح الإمضاءات على المصادقة على توقيعهن على عقود بيع، فبعد تعميق البحث معه تراجع عن تصريحاته السالفة الذكر وأكد للمحققين أن محمد الدلوادي بصفته نائب رئيس جماعة سيدي العايدي هو من أمره بتسجيل العقود المزورة بسجل تصحيح الإمضاءات وتسلم منه السجل وذهب به لوجهة مجهولة وأعاده إليه بعد فترة وهو يتضمن بيانات الموقعات. البحث التمهيدي للمركز القضائي للدرك الملكي بسطات استطاع كشف خبايا عملية التزوير والتي تمت باحترافية عالية تنم عن ضلوع مهندسها محمد الدلوادي في جرائم التزوير وقدرته على التلاعب بالبيانات والوصول إلى الوثائق والسجلات الممسكة وأحال المركز القضائي للدرك الملكي نتيجة أبحاثه على النيابة العامة بسطات، حيث تابعت هذه الأخيرة كلا من محمد الدلوادي ومحمد الجمري موظف تصحيح الإمضاءات بجماعة سيدي العايدي، وبعد جلسات مطولة ومتتالية صدر قرار بالإدانة في حق الاثنين.

 

الحلقة (21) : الدرك في مرمى نيران المتهم بالقتل

جرأة زائدة تلك التي تحلى بها مقترف الزور والمتابع من قبل النيابة العامة باستئنافية سطات بجناية المشاركة في قتل الحاكم الجماعي لسيدي العايدي الفقيد أحمد نبيه. فقد أصدر على حائطه الفيسبوكي وبمجلته (المجلة 24) مجموعة من التدوينات حملت اتهاما صريحا للدرك الملكي بسطات بالتورط في جريمة قتل الحاكم الجماعي وتضليل العدالة. هذه الاتهامات كانت صريحة وبألفاظ وتعابير لا تحتمل التأويل، بل هي كفيلة بتحريك دعوى قضائية وبحث من قبل السلطات المختصة، خاصة وأن مدبر جريمة الزور والمتهم بالقتل أتى على ذكر مسؤول دركي سامي أشار إليه بالصفة، الرتبة العسكرية والاسم الشخصي والعائلي في إشارة للكومندار محسن بوخبزة الذي كان يشرف على سرية درك سطات ساعة وقوع جريمة قتل أحمد نبيه صيف سنة 2000. مما جاء على لسان محمد الدلوادي في تدوينة نشرها يوم 05 نونبر 2018 : "هذا الفيلم قديم عمره 17 سنة من إخراج الدكتور محمد نبيه ابن الضحية بتنسيق مع رئيس فرقة الأبحاث القضائية للدرك بسطات بوخبزة الذي كان صديق الدكتور نبيه وزوجته الجبلية حيث اتفقا على تغيير مجرى التحقيق"، ويستطرد "لماذا لبى رئيس فرقة الأبحاث بوخبزة رغبة ابن الضحية في غسل سيارة الهالك ؟" وهذا محض افتراء إذ أن سيارة الحاكم تم غسلها صباح يوم 25 يوليوز 2000 من قبل عناصر الوقاية المدنية، لم يكن ابن الهالك الدكتور نبيه متواجدا بمدينة سطات بل كان في رحلة استجمام بإحدى مدن الشمال، وواقعة غسل السيارة أثارت سخط واستياء عائلة الحاكم التي اعترضت بشدة على عملية الغسل، ويضيف مقترف الزور والمتهم بالقتل في تدوينته "لماذا لبى ـ في إشارة للكومندار محسن بوخبزة ـ رغبة الابن لعدم الاستماع لأصحاب السكين الذي وجد في السيارة ملطخ بالدماء ؟" في إشارة للمستخدم الباجي رحال الذي كان قد سلم مشغله أحمد نبيه صباح يوم 24 يوليوز 2000 السكين لتقطيع حبات من التين الشوكي. أسرة الضحية وعلى مدار 23 سنة تساءلت دوما عن السر في عدم إنجاز الدرك محضر استماع للباجي رحال وعدم تعميق البحث معه بخصوص السكين والتناقضات الواردة في تصريحاته وتصريحات زوجته بخصوص برنامجه يومي 24 و25 يوليوز 2000. وفي موضع آخر يؤكد محمد الدلوادي في تدوينته المنشورة تحت عنوان "جواب على ما كتب في موقع الكواليس بخصوص قضية مقتل الحاكم الجماعي" "لماذا لم تنجز تحاليل البصمات التي كانت بحوزة درك بوخبزة وبقيت بدون جواب ؟؟ هل أتلفت عمدا ؟" بل يتهم الدرك صراحة بإتلاف معالم الجريمة والخلط بين التصاريح في الزمان والمكان. وفي تدوينة أخرى يتحدث محمد الدلوادي عن الزور الذي قامت به الضابطة القضائية للدرك الملكي، كما يتحدث عن العلاقة الودية والحميمية بين رئيس الضابطة وابن القتيل الدكتور حيث كانوا جيران في العمارة: "أي مصلحة للضابطة بأن تتلف المعالم حسب الفرقة الوطنية وتضغط على الشهود والعمال وعلى الشباب الأبرياء لخلق ظروف الجريمة لا علاقة لها بالوقائع والحقائق". وفي تدوينة أخرى تشرها يوم 04/04/2017 صرح محمد الدلوادي "هرع الابن وألزم الضابطة القضائية مجاملة مع الكومندار بوخبزة الذي كان يسكن بجوار عيادته وعيادة زوجته المنحدرة من قبائل جبالة تربطهم صداقة متينة آنذاك". لا يتسع المجال لسرد كل كتابات محمد الدلوادي والتي لا تزال مدونة بوسائل التواصل الاجتماعي، وهي من الخطورة بمكان، إذ تتهم جهاز الدرك الملكي بالتورط في طمس معالم جريمة قتل الحاكم الجماعي بتغيير معالم الجريمة، إتلاف أدلة هامة في إشارة إلى البصمات، التستر على متهمين في إشارة للمستخدم الباجي رحال صاحب السكين والبلطجية الثلاثة الذين ادعى محمد الدلوادي بأن ابن الضحية الدكتور نبيه ووالدته قد تدخلا لإطلاق سراحهم. هذه الاتهامات المجانية والخطيرة كانت كفيلة بأن تحرك السلطات ذات الصلة سواء تعلق الأمر بالنيابة العامة أو جهاز الدرك الملكي خاصة وأن دفاع المتهمين رفع سقف مطالبه وطالب بحضور الجنرال الوراق رئيس جهاز الدرك الملكي، طلب لم تستجب له هيئة المحكمة لعدم وجاهته. ما جاء على لسان مقترف الزور والمتهم بالقتل يندرج في إطار التبليغ عن جريمة يعلم بعدم وقوعها والوشاية الكاذبة المنصوص عليها وعلى عقوبتها في الفصل 445 من القانون الجنائي. " من أبلغ بأي وسيلة كانت، وشاية كاذبة ضد شخص أو أكثر إلى الضباط القضائيين أو إلى ضباط الشرطة القضائية أو الإدارية أو إلى هيئات مختصة باتخاذ إجراءات بشأنها أو تقديمها إلى السلطة المختصة، وكذلك من أبلغ الوشاية إلى رؤساء المبلغ ضده أو أصحاب العمل الذين يعمل لديهم، يعاقب بالحبس من ستة أشهر إلى خمس سنوات وغرامة من مائتين إلى ألف درهم، ويجوز للمحكمة أن تأمر علاوة على ذلك، بنشر حكمها كله أو بعضه في صحيفة أو أكثر، على نفقة المحكوم عليه.". مدبر جريمة الزور والقتل لم يكتفي بالتطاول على جهاز الدرك الملكي ومحاولة تشويه سمعة أحد منتسبيه بل زج باسم مسؤول قضائي سامي في تدويناته مستغلا صفة المسؤول القضائي لترهيب الخصوم وهذا دليل آخر على تماديه في خرجاته الإعلامية غير الموفقة.

 

الحلقة (22) : الألوية السوداء بريئة من دم الحاكم الجماعي

إذا كان الحاكم الجماعي لسيدي العايدي الفقيد أحمد نبيه قد اختطف يوم 24 يوليوز 2000 وهو في طريق عودته من ضيعته ضواحي سيدي العايدي صوب منزله الكائن بحي السماعلة سطات واكتشفت جثته في اليوم الموالي تحمل 33 طعنة غادرة، فإن الأبحاث التي بوشرت في حينه من قبل عناصر المركز القضائي للدرك الملكي بسطات بينت سيرة الرجل العطرة وعلاقاته الحسنة مع الجميع وأشارت بأصابع الاتهام إلى قريبه محمد الدلوادي مقترف الزور باعتباره الوحيد الذي يكن البغضاء للقتيل بعد أن كشف سنة 1994 تزويره لعقود بيع تخص عقارات فلاحية في ملكية مكريم خدوج، مكريم فاطنة والزاهيدي مريم. كل المصرحين أثنوا على مسار أحمد نبيه كمناضل شرس ضد المستعمر الفرنسي وأن الحاكم مشهود له بالوطنية والتعلق بالثوابت لا يبغي من وراء ذلك مكسبا ماديا أو لقب مقاوم إنما كان نضالا خالصا لوجه الله، حتى مقترف الزور وأثناء الاستماع إليه من قبل عناصر الدرك الملكي، الفرقة الوطنية للشرطة القضائية، نائبي الوكيل العام " الضاوي والفاتحي" وقاضي التحقيق أشاد بخصال الحاكم باعتباره كبير العائلة ومرجعها وقدوتها. إلا أن الأمور ستأخذ منحى آخر سنة 2005 بصدور مقال "المقاوم الخائن وترهات الابن الطامع" بجريدة الشفق المغربية، مقال كال من خلاله اتهامات خطيرة للضحية تمس شرفه وتشكك في نضاله ضد المعمر وأزلامه. كان المقال بداية سلسلة من المقالات المضللة غايتها تشتيت أنظار المحققين عن القتلة الحقيقيين والجهة الوحيدة المستفيدة من جريمة قتل أحمد نبيه البشعة والمروعة، إنها مقترف الزور، هذا الأخير حاول درء التهمة عنه فاتهم الخلايا السرية بالضلوع في قتل أحمد نبيه مستحضرا ما كان يقوم به كزعيم في دائرة سطات وكيف حصل على الضيعات والممتلكات التي يتصرف فيها، بل تحدث مقترف الزور عن ماضي أحمد نبيه وتاريخه السياسي والدموي ملقيا بتهمة قتل الحاكم على عاتق الألوية السوداء. وفي موضع آخر اتهم أعضاء جمعية الحليب بسيدي العايدي بالتورط في الجريمة لخلافات لهم مع القتيل بخصوص تدبير الجمعية ومسالك طرقية تعود ملكيتها له وكان يرفض أن يسلكها الغير للعبور. لقد حاول المتهم بالقتل التشكيك في سلامة القوى العقلية والنفسية للمجني عليه أحمد نبيه متهما إياه بالنفاق والاختفاء وراء الدين والبعد عن البهرجة والاحتفالات الدينية والوطنية، وهذا يتماهى مع خبر زائف نشرته الأحداث المغربية مستهل شهر غشت 2000 أي 5 أيام بعد اكتشاف جثة الحاكم "قتلوه وبتروا عضوه التناسلي". نحن أمام مقالات تعتمد الكذب والافتراء هي لكاتب واحد ينهل من نفس المحبرة غايته تشويه سمعة الحاكم الجماعي، الإساءة إليه بإلصاق أبشع الأوصاف والتشكيك في وطنيته ومبادئه القيمة. وإذا كانت مؤسسة قاضي التحقيق، النيابة العامة باستئنافية سطات والمطالبين بالحق المدني قد أسسوا متابعتهم للمتهمين الخمسة بمن فيهم الشقيقان محمد ومصطفى الدلوادي على مجموعة من القرائن والأدلة المقبولة منطقا وقانونا، منها مشاهدة مصطفى الدلوادي ليلة 24 يوليوز قادما من مسرح الجريمة على متن سيارته رباعية الدفع والتي كان يسوقها بسرعة جنونية وقد تعرف عليه الشاهد أحمد الراوي وأكد شهادة هذا الأخير مجموعة من عمال الورش الذين كان يقلهم ليلة الحادث من سطات صوب موقع شركة سوتراب الغير البعيد عن مسرح الجريمة حيث وجدت سيارة ميتسوبيشي بيضاء وبداخلها الحاكم مقتولا مدرجا في دمائه، ناهيك عن التناقضات في تصريحات مصطفى الدلوادي بخصوص أماكن تواجده يوم 24 يوليوز 2000 وتكذيب كل شهود النفي لتصريحاته دون إغفال تخلصه من سيارته رباعية الدفع حتى لا يتسنى إخضاعها لاختبارات علمية قد تفيد التحقيق، أما بالنسبة لمحمد الدلوادي فقد كون كل من قاضي التحقيق والوكيل العام قناعتهما من كونه المستفيد الوحيد من الجريمة باعتباره الأوحد الذي كان يحقد على الضحية ويضمر له الكراهية والبغضاء وفق ما سبق وأن صرح به للشاهد العشوي المختار وما كشفته خرجاته الإعلامية الكثيرة والمتعددة والتي اعتبر من خلالها جريمة قتل أحمد نبيه جريمة مبررة لماضي الرجل الدموي حسب زعمه ساعيا لإلصاق تهمة الخلاص منه بالغير دون حجة أو دليل.